بين الانتقام الشخصي وتضليل المحاكم.. تصاعد ظاهرة الدعاوى الكيدية والقضاء يحذر

بغداد - IQ  

تعد ظاهرة الدعاوى الكيدية وسيلة للإضرار بالآخرين أو تعطيل مصالحهم، مما يؤدي إلى إشغال المحاكم بقضايا لا تستند إلى أسس قانونية حقيقية، وتتصاعد هذه الظاهرة في العراق على الرغم من أن التشريعات العراقية تضم نصوصاً صريحة لمعالجة هذه الظاهرة، وفيما يؤكد قضاة تطبيق العقوبات الرادعة وتفعيل آليات التعويض وضمان التحقيق السريع بحق مرتكبي هذه الجريمة، شددوا على أهمية الاستشارة القانونية والحلول التفاوضية لتفادي النزاعات الكيدية قبل اللجوء إلى القضاء.

وقال قاضي محكمة تحقيق الرصافة سعدون عباده إن "الدعوى الكيدية هي دعوى قضائية ترفع ضد شخص دون وجه حق، بهدف الإضرار به، مع علم المدعي بأن الحق ليس معه، وتعد إساءة لاستعمال حق التقاضي وسبباً في إهدار الوقت واستنزاف الموارد”.

وأضاف أن المحكمة تعتمد عدة معايير للتفريق بين الدعوى الحقيقية والكيدية، منها نية المدعي ووجود الأدلة وتاريخ العلاقة بين الأطراف، إضافة إلى مضمون الدعوى وسلوك المدعي.

وأوضح القاضي عباده أن “أكثر صور الدعاوى الكيدية شيوعاً تشمل دعاوى المطالبة بحقوق غير مستحقة، ودعاوى الابتزاز العاطفي، والانتقام، وكذلك رفع دعاوى بهدف تعطيل مصالح الخصم أو إعاقة نشاطه التجاري”.

وأشار إلى أن “الدوافع الرئيسية وراء هذه الدعاوى تتنوع بين الانتقام، الإضرار بالخصم، الضغط والابتزاز، والتشهير، والإضرار بالسمعة”.

وأكد القاضي عباده أن “المشرع العراقي عالج هذه الظاهرة بنصوص صريحة تتيح للمحكمة رفض الدعوى أو اتخاذ إجراءات قانونية بحق مقدمها، وتحديد كيدية الدعوى يعتمد على انتفاء الأدلة المشروعة، واعتراف المدعي، أو المطالبة بشيء سبق الحكم عليه”.

وأضاف أن “إثبات كيدية الدعوى قد يؤدي إلى فرض عقوبات على المدعي، والمطالبة بالتعويض إذا ثبت الضرر، ويمكن أن تتحول الدعوى إلى قضية جزائية إذا تبين الكذب أو الافتراء أو إساءة استعمال الحق في التقاضي”.

ولفت إلى أن “الكشف عن الدعاوى الكيدية يمثل تحدياً للقضاء، إذ ليس دائماً واضحاً التمييز بين الحق المشروع وسوء النية، خصوصاً في ظل غياب الأدلة القطعية أو عدم تعاون المدعى عليه”، موضحا أن “المحامين يلعبون دوراً مهماً في الحد من هذه الظاهرة من خلال تقديم المشورة القانونية الدقيقة، وتدقيق الدعوى قبل رفعها، واستخدام التفاوض والوساطة، والالتزام بالقواعد الأخلاقية لمهنة المحاماة”.

وتابع أن “للدعاوى الكيدية آثارا اجتماعية واقتصادية سلبية، تشمل تدهور العلاقات بين الأفراد، والضغط النفسي، إضافة إلى تكاليف قضائية باهظة وزيادة العبء على النظام القضائي”. ودعا القاضي عباده المواطنين إلى “التأكد من صحة الدعوى، والبحث عن حلول بديلة قبل اللجوء للقضاء، واستشارة محامٍ لتقييم القضية، وجمع الأدلة، والابتعاد عن ردود الفعل غير المحسوبة، والسعي لحلول تفاوضية”.

من جانبه، قال نائب رئيس محكمة استئناف نينوى، القاضي أحمد محمد، إنه “لا يوجد معيار قانوني جامد للتفريق بين الدعوى الحقيقية والكيدية، بل يعتمد القضاء على مؤشرات عدة، منها عدم وجود سند قانوني أو واقعي للدعوى، وتكرار إقامة دعاوى مشابهة بدون أساس، واعتراف المشتكي أو ظهور البينة على نية إيذاء الخصم، أو استخدام طرق احتيالية أو ادعاءات غير معقولة”.

وأشار القاضي محمد إلى أن “الدوافع المعتادة لإقامة الدعاوى الكيدية تشمل الانتقام الشخصي أو العشائري، الضغط للحصول على تنازل أو منفعة، عرقلة إجراءات قضائية أو إدارية، وتشويه السمعة أو الإضرار المعنوي”.

وأكد أن “المشرع العراقي عالج هذا الموضوع ضمن نصوص صريحة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، إذ تجرّم المادة 243 تقديم بلاغ كاذب، والمادة 248 تضليل القضاء، والمادتان 251 و252 العقوبات على شهادة الزور”.

وبيّن أن “المحكمة يمكن أن تتخذ عدة إجراءات بحق من يثبت أنه أقام دعوى كيدية، منها رفض الدعوى لعدم صحتها، أو إحالتها إلى الادعاء العام لتحريك دعوى جزائية عند توافر أركان جريمة الإخبار الكاذب أو تضليل القضاء، ويمكن للمدعى عليه المطالبة بالتعويض استناداً إلى المادة 204 من القانون المدني”.

وأوضح أن “صعوبات كشف الدعاوى الكيدية تشمل إثبات نية الكيد وسوء القصد، واستناد المدعي لمستندات ظاهرها صحيح لكنها غير منتجة، وإخفاء الدوافع الحقيقية، مما يستلزم وقتاً وجهداً إضافياً لكشف الحقيقة”.

وختم القاضي محمد بالتأكيد على “أهمية تجنب الدخول في الدعاوى الكيدية سواء كمدعين أو مدعى عليهم، واللجوء إلى القضاء فقط عند وجود حق ثابت ومصلحة حقيقية، واستشارة محامٍ قبل رفع الدعوى، ومحاولة الحل الودي قبل التصعيد القضائي، والالتزام بالصدق والموضوعية في عرض النزاع، والإبلاغ عن أي دعوى كيدية”.

أخر الأخبار

الأكثر قراءة