العراق.. ارتداء الكمامات بالشوارع بات مستغربا ومواد التعقيم متكدسة في المحال

بغداد - IQ  

حرص العراقيون بغالبيتهم على وضع الكمامة واستخدام وسائل الوقاية من جائحة فيروس كورونا المستجد خلال الأشهر الأولى لتفشي المرض رغم ندرتها وارتفاع أسعارها، لكن التزامهم تراجع في الأشهر الأخيرة على وقع أزمة اقتصادية خانقة غيّرت أولويات الكثير منهم.

فعند التجول في شوارع بغداد، يلاحظ عدد الأشخاص القليل الذين يضعون كمامات، رغم توافرها بكميات كبيرة في الصيدليات وحتى لدى الباعة المتجولين.


في صيدلية بمنطقة زيونة ببغداد، يقول أحد الزبائن، وهو عسكري متقاعد رفض ذكر اسمه "عندما أتجول مع زوجتي واضعين كمامة في الطريق، ينظر لنا كثيرون كأننا نقوم بأمر خاطئ".


من جهته يقول أحد المشرفين على الصيدلية نافع فراس: "نبيع الكمامات بسعر التكلفة تقريبا"، بسعر يراوح في المعدل بين دولارين و ثلاثة دولارات للعلبة.


ويضيف "نحرص على توفير نماذج للأطفال وأخرى بألوان زاهية لترغيب الناس في وضعها".


مع ذلك، تراجع الإقبال على شراء الكمامات وسوائل التعقيم في الفترة الأخيرة ما جعلها تتكدس في زاوية واسعة من المحل بانتظار من يشتريها.


"تغير في الأولويات"


يفسر فراس الأمر بوجود "إحساس عام بتراجع حدة الوباء أدى إلى إهمال"، رغم أن الفيروس ما زال يودي بحياة عشرات العراقيين يوميا (تراوحت الوفيات اليومية بين 69 و24 خلال تشرين الثاني).


ولا يلتزم غالب زبائن هذه الصيدلية بوسائل الوقاية رغم وجود لافتات تشدد على وضع الكمامة وسائل تعقيم لليدين عند الباب.


ويعتبر الصيدلي أن اتخاذ قرار يلزم وضع الكمامة في كل الأماكن العامة قد يكبح تفشي الفيروس، لكن "لا يمكن للدولة أن تفرضه لا سيما في المناطق الشعبية".


بدوره يرى صاحب محل المواد الغذائية ويدعى محسن حيدر أن "استعمال وسائل الوقاية يتطلب إمكانيات لا يقدر عليها الفقراء"، خصوصا من يعيلون عائلات كبيرة.


ويؤكد حيدر أن "المسألة تعود إلى تغيّر في الأولويات لدى شريحة واسعة من الناس صار اهتمامها منصبا أكثر على توفير لقمة العيش".


ويسجل بشكل واضح التزام أكبر بوضع الكمامة في مناطق الطبقتين الوسطى والثرية مقارنة بالأحياء الشعبية في بغداد.


وأفاد مسؤول كبير في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر لوكالة فرانس برس أن "شحنة من 200 ألف كمامة وقفاز لا تزال عالقة في الجمارك العراقية ويواجهون عراقيل إدارية للحصول عليها".


وأوضح المسؤول أن "الشحنة موجهة للمقيمين في مناطق يصعب الحصول فيها على هذه المواد والأطقم التي تعمل فيها على التوعية حول الفيروس وتوزيع المساعدات".


ارتفاع في أعداد الفقراء


وبسبب تداعيات الأزمة الصحية، بات 4,5 ملايين عراقي تحت خط الفقر (11,7 بالمئة من السكان)، وفق دراسة حديثة مشتركة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في العراق والبنك الدولي ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية ووزارة التخطيط العراقية.


فارتفعت نسبة الفقراء في البلاد من 20 بالمئة العام 2018 إلى 31,7 بالمئة حاليا، كما اصبح 42 بالمئة من السكان ضمن الفئات الهشّة التي تعاني حرمانا متعدد الأبعاد (التعليم والتوظيف والصحة والأمن المالي).


ولا تشكل الجائحة السبب الوحيد في الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراقيون، إذ أدى انهيار أسعار النفط المورد شبه الوحيد للدولة في تأخر صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين وخفض الإنفاق العام.


وكان العراق قد فرض في ايار غرامة قدرها 50 ألف دينار (حوالي42 دولار أميركي) على سائقي وسائل النقل العام والخاص وركابها في حال لم يلتزموا وضع الكمامة، لكن الإجراء لم يطبق بصرامة.


ويستبعد المسؤولون اتخاذ تدابير جديدة، وتكتفي الدولة ببذل جهود توعية وحثّ المواطنين والمؤسسات التجارية على احترام التوصيات الصحيّة.


ولم ينجح غلق المطارات والحدود البرية مع إيران والكويت وتقييد الحركة بين المحافظات وفرض حظر تجول صارم بين اذار وتموز في عكس منحنى الإصابات خلال تلك الفترة.


المدارس..   استثناء إيجابي 


وبلغ تفشي الوباء ذروته في العراق في نهاية ايلول بتسجيل أكثر من 5 آلاف إصابة خلال يوم واحد، ثم تراجع عدد الإصابات اليومية تدريجا ليستقر تحت نصف ذلك العدد على امتداد تشرين الثاني.


وأحصى العراق حتى 6 ايلول 564,200 إصابة بكوفيد-19 بينها 12432 وفاة، في أعلى حصيلة بالمنطقة العربية.


وشهدت البلاد نقصا في توفر الكمامات خلال الأشهر الأولى لتفشي كوفيد-19، أرجعه فراس إلى تأخر وصول الشحنات من الصين وغياب مصادر تزود أخرى.


ووفقا له ثمة سبب آخر مهم، وهو إقبال المتظاهرين ضد الحكومة بداية العام على الكمامات.


ويقول إنه على غرار آخرين، "كنت أحمل مئات الكمامات وأوزعها" في ساحة التحرير ببغداد للوقاية من الفيروس وكذلك تخفيف أثر قنابل الغاز المسيل للدموع التي استعملتها قوات الأمن بكثافة.


من جهته أشار زميله الصيدلي محمد ماجد أن "كثيرا من التجار استغلوا حينها ارتفاع الطلب على حساب العرض وزادوا أسعار وسائل الوقاية لتصل أضعاف أثمانها الحالية".


لكن توفرت كميات كافية من الكمامات والمطهرات مع بدء دول أخرى في تصنيعها وتصديرها، خصوصا تركيا المجاورة، علاوة على انتاج كميات منها محليا.


وسجلت الصيدلية ارتفاعا نسبيا في مبيعات وسائل الوقاية إثر استئناف التعليم، مع "حرص أولياء الأمور على سلامة أبنائهم".


وأحيطت عودة نحو 10 ملايين تلميذ للمدارس في نهاية تشرين الثاني بتأخر ثلاثة أشهر بتدابير وقائية صارمة .


ويبدو تطبيق الاجراءات الوقائية في المؤسسات التعليمية استثناءً إيجابيا.


فقد وضع كل التلاميذ والطاقم التعليمي كمامات في أول أيام الدراسة، مع التزام التباعد. ويتم التدريس حضوريا يوما واحدا بالأسبوع وعبر الانترنت في بقية الأيام.


مع ذلك، توجد تساؤلات بشأن إمكانية الحفاظ على مستوى وقاية عال مع تقدم العام الدراسي وزيادة حضور التلاميذ في المؤسسات التربوية.


في هذه الأثناء، قالت السلطات العراقية إنها "تعمل على ضمان حصة من اللقاحات المضادة لكوفيد-19 وتوزيعها مجانا على المواطنين، لكنها لن تقدم على شراء أي منها حتى تعتمده إحدى المنظمات الصحية الدولية".