"تجاوزات خرجت عن السيطرة"

أكثر من 100 ألف بئر يهدد "المياه الأحفورية" والتوازن البيئي في العراق

بغداد - IQ  

يُعد العراق خامس الدول تأثرا بالتغيرات المناخية، الأمر الذي ألقى بظلاله سكان القرى والمناطق النائية، دافعا بالكثير منهم نحو الهجرة إلى المدن، لكن من بقي بات يعتمد على حفر الآبار لتعويض النقص الحاصل بالمياه لتلبية احتياجاتهم اليومية او لأغراض الزراعة، مما يخلق أزمة جديدة.

تجري عملية حفر الآبار بطريقة عشوائية، دون وجود رقابة حكومية، الأمر الذي أثار مخاوف مختصين من خطورة تفاقم الأزمة والتسبب بهدر المياه الجوفية لتكون عبئا آخر يضاف إلى مخاطر الجفاف التي تهدد البلاد، فيما تؤكد تقارير حاجة العراق نحو 70 مليار متر مكعب من المياه، لأغراض الزراعة، شرعت وزارة الموارد المائية بحملة ضد التجاوزات التي تحدث  بحق الخزين المائي من المياه الجوفية، مؤكدة أن الحملة لا تقف عند حد معين.

ويحصي المتحدث باسم الوزارة خالد شمال لـIQNEWS، عدد الآبار المحفورة في عموم البلاد قائلا إنها "تجاوزت المائة ألف بئر مسجل، 80 ألف منها  تستخدم لأغراض الزراعة في الصحراء".

ويؤكد شمال أن "عملية حفر الآبار تتوزع بمحافظات عدة، أولها صلاح الدين ومن ثم محافظات كركوك ونينوى والأنبار والنجف والمثنى وكربلاء"، مبينا أن "عمق البئر المحفور يعتمد على عمق الخزين الجوفي وموقعه، فكلما كان الخزين الجوفي اعمق زاد من عمق البئر، ولا تتدخل الوزارة بشأن تحديد عمق البئر المطلوب للفلاحين".

ويكشف المتحدث باسم الوزارة، عن "وجود آبار جديدة تُحفر بشكل مستمر في اذناب الجداول وبالقرب من مجمعات الماء في محافظات الوسط والجنوب، إلا أن غالبيتها غير صالحة كونها تعاني من الملوحة العالية ولا تصلح للاستخدام الزراعي".

وعن الإجراءات المتخذة بحق المتجاوزين، يؤكد شامل، أن "الوزارة تتابع هذا الأمر بالتعاون مع القوات الأمنية الماسكة للأرض وقيادات شرطة المحافظات، حيث تم ردم العديد من هذه الآبار وإلغاء اجازت العديد من مكاتب الحفر الاهلية وغلق الكثير من الابار المتدفقة".

لكن مدير دائرة البيئة في محافظة المثنى، يوسف سوادي، يرى إن عملية التجاوزات المائية وحفر الآبار خرجت عن السيطرة ولن تتمكن الحكومة من الحد منها".

سوداي يؤكد لـiqnews، أن "هناك كميات كبيرة من المياه الجوفية بالبادية الجنوبية ومايسمى بالدمام، لو تم استغلالها بشكل صحيح، ستكون واحدة من الحلول الناجحة لمواجهة شح المياه التي تعاني منها البلاد"، داعيا إلى "ضرورة الاهتمام بهذا الخزين الستراتيجي وعدم التفريط به، فضلا عن الاتجاه نحو ترشيد الاستهلاك واستخدام خزانات دجلة والفرات وعدم الافراط بالمياه في هدر المياه".

ويحذر من "خطورة استمرار التجاوز على المياه الجوفية كون هذا الأمر ساهم بانخفاض مناسيبها، خصوصا أن عملية الحفر وخصوصا في محافظة المثنى يتم حفر البئر بعمق يصل إلى 200 متر "، مطالبا "وزارة الموارد المائية بمتابعة قضية التجاوزات وفق خطة بها نوع من التقنين كون هذه المياه حق للاجيال القادمة".



وبهذا الصدد، حذرت منظمات ومعاهد دولية من خطورة الافراط في استخدام المياه الجوفية في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها العراقي.

وقال مدير المعهد الألماني للموارد الطبيعية رامون برنفيوهرر، إن المياه الجوفية الموجودة في بعض الدول العربية ومنها العراق والأردن هي "مياه احفورية"، موضحا أن "التسمية اطلقت عليها لقدم تاريخ تواجدها تحت الأرض، حيث لا يمكن الاستعاضة عن هذه المياه في حال استغلالها كما هي العادة مع المياه الجوفية في مستوياتها الأعلى والتي يمكن تعويضها عبر الموارد الطبيعية الأخرى"، بحسب وصفه. 

ويؤكد برنفيوهرر أن "المياه الاحفورية في العراق والأردن يتم استخدامها الان، الامر الذي يمثل خطورة على التوازن البيئي وخصوصا في العراق الذي يعد الدولة الخامسة على مستوى العالم بالتأثر السلبي بالتغير المناخي الحالي"، مشيرا الى "صعوبة متابعة مستويات نسب المياه الاحفورية نظرا لتواجدها باعماق منخفضة جدا داخل القشرة الأرضية". 

وتنضم لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا والتابعة للأمم المتحدة، إلى المعهد الألماني بشأن مخاطر بشأن استمرار مخاطر هدر المياه الجوفية في العراق، بعد حصولها على صور فضائية أظهرت انخفاضا "شديدا" في مستوى المياه الجوفية في الدول العربية ومنها العراق، احد اكثر البلدان تأثرا، موضحة ان "غالب الحقول المائية أصبحت الان تستنفد بشكل اسرع مما يمكن تعويضه".

ويطرح المهندس سوداي، حلولا، لمواجهة هذه الازمة، عبر استخدام  التقنيات الحديثة للمحافظة على المياه الجوفية وإنقاذ الوضع قبل فوات الأوان من خلال "استخدام تقنيات الري الحديثة أي بالرش او التنقيط واستخدام المقننات الحديثة لاستهلاك المياه، بالاضافة الى ضرورة توجه وزارة الموارد بحصد المياه عن طريق الخزانات الطبيعية التي تتشكل في المناطق المنخفضة من العراق كمحافظات الجنوب في البادية الجنوبية والبصرة وذي قار والتي يمكن الاستفادة من موسم الامطار المتوقع بملئ المنخفضات هذه وحصد المياه".

من جانبه يشير خبير الإستراتيجيات والسياسات المائية وعضو التدريس في جامعة دهوك، رمضان حمزة تحدث عن إدارة أفضل لملف المياه لـIQNEWS إلى أن "التوجه نحو استخدام المياه الجوفية يضعنا امام حاجة لإدارة أفضل لملف المياه، أي يجب التوجه نحو العمل على طريقة للتنسيق بين استخدامات المياه السطحية والجوفية".

ويحذر من "أزمات اجتماعية وغذائية وبيئية واقتصادية ومالية مترتبة على استمرار هدر المياه، الامر الذي يستوجب وضع جهود مكثفة من قبل الجهات المختصة لمواجهة شح المياه التي تعد المشكلة الأخطر التي يواجهها العراق اليوم".