توجه في الأنبار نحو المجمعات السكنية: قد "يغير عمران المحافظة من شكل إلى آخر"

عمر الراوي - IQ  

تواجه محافظة الأنبار غربي العراق، مثلها مثل محافظات البلاد كافة أزمة الانفجار السكاني، لكنها تستعد للأمر عبر أكثر من عشرة مجمعات سكنية من شأنها أن تصنع تغييرا في ثقافة التعاطي مع المجمعات السكنية لدى المجتمع، وأن "تغير الطبيعة العمرانية"، للمحافظة. 


تشكل محافظة الأنبار ثلث مساحة العراق الكلية، ورغم هذه الأراضي الشاسعة، تتجه المحافظة نحو ما يعرُف بـ"السكن العمودي"، في تغيير ملحوظ بثقافة التعاطي مع فكرة السكن في المجتمع، والطبيعة العمرانية للمحافظة. 

خرجت الأنبار من معارك صعبة إبان تحريرها من تنظيم "داعش" عام 2016، ويمكن القول إن مدنها تعافت من ندوبها البليغة التي تركتها المعارك الدامية، وذلك بحملات إعمار مستمرة تركت أثراً واضحا.

النمو السكاني هذه المرة لم يدفع العوائل إلى التوجه إلى أطراف المدن الرئيسة. يقول مصطفى الدليمي، إن "مشاقاً كثيرة يترتب عليها الانتقال إلى أطراف المدن، فبعض المناطق التي تُبنى حديثا لا تتوفر فيها الخدمات كلها، فالنقص يطال الكهرباء أو الماء أو المجاري، أو الطرق المعبدة، سيكون الأمر أصعب كلما ابتعدت عن المدينة، وهذا أمر طبيعي في كل مكان، لكن الانتظار في ظل هذا النقص أمر صعب".

ويضيف الدليمي وهو أحد سكان الرمادي، ويسعى للحصول على وحدة سكنية داخل إحدى المجمعات الجديدة، أن "الابتعاد عن الحي الذي نشأت به انتقالة كبيرة يجب أن يكون المرء على استعداد لها، إنه شعور لا يمكن التعايش معه بسهولة لو لا فرض الحاجة، أسعار الأراضي العقارية أنسب فقط إذا ابتعدت عن المدن".

ورغم أن أزمة النمو السكاني ليست جديدة في البلاد، فقط تبينت بوادرها منذ ثمانينات القرن الماضي، إلا إن المدن كانت أصغر حجما وإمكانية توسعها متاحة، الأمر الذي يكاد يكون متعذرا هذه السنوات.

تغيّرٌ اجتماعي

"كانت الأسر التي يكثر أعدادها، تلجأ إلى خيار تقسيم المنزل الواحد إلى عدة منازل، لا سيما بعد زواج أبنائها، لكنه حل غير مريح، ويترك أثرا في واجهات المناطق السكنية"، يقول صاحب مكتب العقار عيسى مظفر. 

ويضيف لـIQ NEWS: "هناك العديد من العمارات السكنية الصغيرة في محافظة الأنبار وغيرها، لكنها لم تكن خيارا محببا طوال السنوات الماضية، لاعتبارات كثيرة من بينها الافتقار للشعور بالأمان والخصوصية".

ويمضي مظفر بالقول: "يمكن القول إن السكن في العمارات، كان خيارا مستبعدا لدى العوائل المحافظة، تجنبا للسمعة التي ترافق اللجوء إليها، إذ إن العمارات التي تنتشر في أماكن مختلفة في المحافظة، كانت تأوي أشخاصا غير معروفين، وكانت مرتعا سهلا لمخالفي القانون والأعراف التي يتفق عليها المجتمع".

"تقدم المجمعات السكنية الحديثة ميزات عديدة لاستقطاب الأهالي"، بحسب مظفر والذي يرى أن "أي تراخي أو إهمال بهذا الصدد، خيار غير متاح إذ إنه سيكلف المستثمرين تراجعا عن الإقبال على المجمعات".

يقول المواطن أسامة إبراهيم لـIQ NEWS، إن "قلة المساحات السكنية دفعتنا إلى المجمعات السكنية، وهو خيار كنا قد لجأنا إليه بعد أن قلت الحيلة، لكنه صار خيارا ناجحا بعد أن اكتشفنا بأنفسنا مميزاته".

وأضاف أن "كل فرد يأمل بأن يجد من يشيّد له منزله وفق مواصفات عالية، دون أن ينشغل بمراقبة العمل ومتابعته بشكل يومي، وهذا الأمر وفرته الشركات الاستثمارية، بالإضافة إلى المتابعة بعد إكمال المنزل، يعلم من جرب عناء بناء منزله بنفسه حجم المشاق التي يكبدها الأمر".

ويمضي إبراهيم الذي يملك وحدة سكنية في داخل مجمع سكني بنظام "السكن الأفقي"، إن "الدفع بالتقسيط مقابل شراء وحدة سكنية، يخفف من عبء شراء المنازل في الأحياء الأخرى، التي يعجز الكثيرون عن شرائها بشكل مباشر بسبب الأسعار الباهظة".

وتتجاوز أسعار المتر الواحد في المناطق التجارية وسط مدينة الرمادي عتبة الـ30 مليون دينار عراقي (نحو 25 ألف دولار)، ويتدرج منخفضا بالتوجه إلى أطراف المدينة فيل إلى نحو مليوني دينار (نحو 1500 دولار) وأقل من ذلك في الأماكن القصية. 

ويكمل إبراهيم قائلا إن "ميزاتٍ قد تكون بسيطة صنعت فرقا بالنسبة إلينا، مثل أن تكون الخدمات جاهزة، أو إن إصلاحها لا يقع على عاتقنا".

تفتقر الوحدات السكنية إلى الحديقة الداخلية، لكن المجمع بصورة عامة يحتوي على  مساحات خضراء واسعة، هي جزء من تصميمه، كما يوفر أسواقا وخدمات طبية، ومدارس قريبة، وهذا "كله شجع على الإقبال نحو المجمعات"، بحسب إبراهيم.

تغيٌر عمراني

الخطة الاستثمارية المعمول بها في مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، تتضمن نحو 12 مجمعا سكنيا، يقول عمر الدبوس، مدير بلدية الرمادي، مشيرا إلى أن أربعة منها تم تنفيذها مؤخرا وفق نظام السكن العمودي، الأمر الذي يعتبر الأول من نوعه في الرمادي.

ويضيف الدبوس في تصريح لـIQ NEWS، أن "ثلاثة مجمعات تم إنجازها بالكامل"، مبينا أن "مناطق توزيع المجمعات السكنية يخضع لنظام التصميم الأساس لمدينة الرمادي، وهذا التصميم يشمل الاستثمار والمساطحة والسكن والمناطق التجارية والمناطق الخضراء، فضلا عن المرافق الصحية والخدمات الصحية والتعليمية، كما يشمل تحديد نوع السكن فيما إذا كان أفقيا أو عموديا".

وأوضح أن "هذا كله يخضع لخطة استثمارية تم اعدادها مسبقا من قبل بلدية الرمادي بالتنسيق مع الجهات المعنية سواء الحكومة المحلية أو المركزية"، ونبه على أن "الفرص الاستثمارية لا يمكن منحها لأي مستثمر من دون إجراءات وموافقات رسمية، وأن أساس الشروع بها هو الحصول على الإجازة الاستثمارية".

ويمضي بالقول إن "تصاميم وعدد الوحدات السكنية ومساحة المرافق الأخرى، يحددها نظام التصميم الأساس، فلدينا مجمع يحتوي على ألف وحدة سكنية وآخر يحتوي 2500 وحدة سكنية وكذلك هناك مجمعات سكنية تحتوي على 250 وحدة سكنية فقط".

ويتوقع الدبوس، أنه "اذا ما بقي الحال عليه فإن توجها عمرانياً يمكن ملاحظته مستقبلا، ينقل معه المحافظة من شكل إلى آخر".

ويلفت إلى أن "أسعار الوحدات السكنية غير مسيطر عليها وتعتبر باهظة الثمن إذا ما قورنت بالأهداف الرئيسية للاستثمار لذلك تحتاج إلى قرار حكومي واضح بهذا الشأن"، مبينا أن "ميزات المجمعات بالإضافة إلى الشراء بالتقسيط، كلها لها تأثير واضح على زيادة الطلب باعتبار أن أغلب المستفيدين هم من شريحة الموظفين الذين يناسبهم الدفع المعقول شهريا".

ويتحدث مدير بلدية الرمادي عن "خطط مدروسة ومشاريع سيتم من خلالها نشر ثقافة السكن العمودي، وذلك من خلال إلزام المستثمر على تنفيذ مشروعه وفق أعلى المواصفات المعتمدة عالميًا لأنه يعتبر وسيلة جذب ضرورية للمستفيدين".