"الخوف يحول المنازل إلى سجون"

"شرطة التصاميم": التلوث البصري يتسبب بمشاكل عائلية وجرائم

بغداد - IQ  


حذرت شرطة التصاميم، من المخاطر المترتبة على "التلوث البصري" جراء التصاميم التي لا تخضع لمعايير جمالية "صحيحة"، وفيما نبهت على أن ذلك يتسبب بمشاكل عائلية، وجرائم، لفتت إلى ظاهرة طالت تصاميم المنازل في عراق ما بعد 2003، "حولت المنازل إلى سجون"، على حد تعبيرها.


وشرطة التصاميم، هو حساب على انستغرام يتابعه أكثر من 52 ألف شخص، يقدم نصائح وملاحظات تتعلق بالتصاميم الداخلية والخارجية، ويجري "جولات تفتيشية"، ويحمل شعارات "بيتك جزء من صورة العراق"، و"لا للتلوث البصري"، أجرى موقع IQ NEWS، مقابلة معه: 



• ما هي الظروف التي استدعتكم إلى إنشاء هذا الحساب؟ وكم عدد الأشخاص الذين يديرون الحساب، وما هي تخصصاتهم؟


كان الألم هو الدافع لإنشاء الحساب، الألم الناتج عن مشاهداتي لبغداد التي تتشوه يوما بعد يوم، حينما رأيت المنازل الكبيرة التي تمثل هوية العاصمة، تُقسم إلى عدة بيوت صغيرة، أعلم أن الظروف أجبرت المواطنين على ابتياع منازل صغيرة، ولكن هذه الواجهات المحدودة تُصبغ بخمسة ألوان وأربعة مواد تغليف، وهذا هو سبب التشوه البصري اليوم.


منذ سنوات، وأنا ألحظ تغير ملامح المدينة، وكنت آمل أن تأخذ الدولة دورها، بالمحافظة على البيوت التراثية، ووضع المعايير التي على وفقها يعبد المواطن منزله، بأسس ثابتة للمحافظة على شكل مدينة كاملة، وليس فيها حد من الحرية الشخصي.


العراقي اعتاد على أن يجد الحل بنفسه، فلا أمل في الحكومة، فارتأيت أن أبادر بالتغيير، وهكذا قررت أن أنشئ هذا الحساب.


لا أحد غيري يدير الحساب، أنا الذي يصور، ويعدل الصور، ويكتب النص، وينشر، ويرد على الرسائل.. وأنا خريجة جامعة اللغات، قسم اللغة الفرنسية، وأعمل مترجمة، لكنني شغوفة بالتصميم، وطورت نفسي ذاتيا في هذا المجال، واعتمدت التغذية البصرية بمختلف أنواع التصاميم سواء كانت داخلية أو خارجية، وهذا هو الشيء الأهم.


منذ تأسيس الحساب حتى اليوم، هل لمستِ أثرا في المتابعين؟ 


عشرات المتابعين راسلوني، بعد أن أجروا تعديلات في منازلهم، مستفيدين من النصائح المطروحة في الحساب.. التعديلات طالت واجهات منازل، وصالات داخلية وإنارة وستائر، صُمِمَت بشكل خاطئ.


إن من يختم المنشورات في حساب شرطة التصاميم، لا بد أن يخرج بنتيجة، ويكون قادرا على التغيير.. الفرحة لا توصف حينما أشاهد صورة بيت قد تغير بسبب نصائحي، لأن هذا هو هدفي الرئيس: أن ألتمس أثرا حقيقا في شوارعنا أو في البيوت العراقية.


ما حجم وطبيعة الانتقادات التي تواجهك في إدارة الحساب؟ 


تعرضت للعديد من الانتقادات تحت باب "الحرية الشخصية"، و"كل واحد وذوقه"، و"كل شخص وحر بخياراته"، حتى إني تعرضتُ للتهديدات، أحدهم قال لي إني مطلوبة عشائريا وقانونيا، الأمر الذي اضطرني إلى حذف أحد المنشورات، رغم أني كنت حريصة على أن لا أؤذي أحدا بعمله وتجارته.


لماذا اخترتِ "شرطة التصاميم"، عنوانا للحساب؟ وهل هذا يعني أن الأذواق يجب أن تخضع لقوانين معينة؟ 


شرطة التصاميم اسم مستفز، وهذا الاستفزاز يواجه الاستفزاز الناتج عن التصاميم الفاشلة، بالأخص عند الوصول إلى مرحلة التغليف في المنازل مثلا، ولهذا اخترت اسما لمؤسسة يفترض أن يهابها الآخرون، أردت أن أشعر المتابع بأنه من المفترض أن يستجيب لما أقول، حتى لو اعتبرها أوامر، لأن ما أنشره يفترض ان تعمل به الدولة وفق قانون.


بعض المتابعين، يفعلون خاصية "المينشين"، عندما يرون تصميما خاطئا، يقولون "شرطة الحكونا.. شرطة نداء استغاثة"...


وبالتأكيد يجب أن تخضع الأذواق لقوانين معينة، خارج العراق هناك ضوابط محددة ومعايير وألوان وتصاميم محددة، ممنوع بناء أي بيت خارج موافقة البلدية أو الدولة.


لماذا لا تندرج صور التصاميم التي تنتقدينها ضمن باب "اختلاف الأذواق"؟


حينما انتقد شخصا بنى منزله بطريقة كلاسيسية، وأقول له إن تصميمك خطأ ويجب أن تبني وفقا لمعايير الحداثة، حينها أدخل تحت باب "اختلاف الأذواق"، لكن عندما يتعلق الأمر بتشويه مدينة وبلد، فلا يندرج الأمر ضمنه.


أما بشأن التصاميم الداخلية، فتدخلنا سببه المشاكل التي تواجه الذين يريدون أن يبتاعوا أو يستأجروا بيتا جديدا، وذلك لحجم الإنفاق المطلوب لمعالجة التصاميم الخاطئة والمستفزة.


في أكثر من موضع، قلتِ إن "التلوث البصري جراء التصاميم الفاشلة"، يتسبب بخلافات عائلية وأزمات لدى الأطفال، حدثينا عن هذا أكثر.


بالتأكيد أن التلوث البشري تتسبب بأزمات ومشاكل، وهناك الكثير من البحوث التي تطرقت إلى هذا الموضوع متوفرة عبر الغوغل؛ ففي إحدى المدن الأمريكية، قرر سكانها أن يجرون تعديلات بواجهات المنازل، وحتى يافطات الإعلان والإنارة وغيرها، ولاحظوا بعد ذلك، أن الجرائم قد قلت.


إن نسب الجرائم في المدن الشوهة تكثر، وهذا الكلام مثبت علميا، وفي غرف الأطفال يكون التأثير واضحا، فكل لون له تأثير على الطفل، الألوان الصاخبة الحارة مثلا، تؤثر على مزاج الطفل وتجعله حادا وعصبيا، وهذا كلام علمي، والبيئة السليمة تولد مزاجا سليما.


ما هي أبرز المعوقات التي تواجه الأفراد في تصميم بيوتهم في العراق؟


أبرز المعوقات هي عدم توفر المنتج الصحيح، في الأسواق العراقية.. السوق هو سبب التلوث البصري، وذلك لأن الأسواق توفر مواد بألون معينة وبأحجام غير صحيحة، ومن ثم فإن المواطن غير المطلع على التصاميم، ولم يستشر بها، لا يجد غير المعروض، والشائع، فيأخذه، على سبيل المثال السيراميك مثلا، فعندما يبتاعه المواطن، وينتهي من رصفه، يجد أنه لا يتناسب مع "الكاونتر مثلا"، كما هو معروض في صور "الكاونترات".


إن الحصول على السيراميك وقطع الأثاث واللوحات والستائر "السادة" (ذات اللون الواحد) مهمة مستحيلة، وإذا توفرت، فتتوفر بأسعار غالية.


ألاحظ الكثير من محال ومعارض الأثاث بدأت بتغيير الخط الذي يتبعونه بالتوجه تدريجيا إلى التصاميم الصحيحة، لكن هذا لا يعني أن التلوث البصري قد قضي عليه.


ما هي أبرز 5 أخطاء تتكرر في تصميم المنازل الداخلية؟


أبرز الأخطاء بالتصاميم الداخلية، هو عدم وجود نمط واحد داخل المنزل، فتجد قنفات كلاسك، وجدران مودرن (حديث) فليس لدى الكثير المعرفة بأنماط الديكور وكيفية الدمج بينها، والخطأ الثاني هو تعدد الألوان فتجد الستائر بلون والجردان بلون آخر وجدار آخر مجاور بلون مختلف والأثاث بألوان مختلفة.


الخطأ الثالث هو الأثاث المنقوش، في الغرفة ذات الجدران المنقوشة، والستائر المنقشة وفرشات الأرض المنقشة أيضا.. والكارثة الرابعة هي السيراميك، والذي مكانه الأرض لا غير، في حين نرى أنه في بعض المنازل يصل إلى نصف الجدار، وهذه الظاهرة دخلية على المجتمع، فكانت بيوتنا خالية من السيراميك دون تأثير.


الخطأ الخامس يتعلق بتوزيع الإنارة النقاط الكهربائية، إذ ينبغي أن تكون النقاط الكهربائية على ارتفاع أقل من 40 سانتيم عن الأرض، للتغطية على التشوهات الناتجة عن ظهور الأسلاك للواجهة، أما الإنارة فلا يُحسب لها حساب صحيح، إذ يعتقد الكثير أن كثرتها ستكون جميلة، وغالبا تقتصر المنازل على الإنارة البيضاء، في حين تفتقر إلى الإنارة الشمسية.


هل يمكن تطبيق النصائح التي توجهينها إلى المتابعين، في العراق فعلا؟ 


بالتأكيد ممكن، ولا يوجد شيئ مستحيل، وكل شيء قابل للتغيير.. الكثير من المتابعين يستجيبون، وحتى التجار بدأوا بالاستجابة للنصائح التي نطرحها.. يجب أن نستمر بالنقد؛ النقد يولد بيوت أجمل ومدن أجمل.


طالما كانت عمارة المنازل وواجهاتها تمثل هوية وذاكرة المدن, فلماذا عمت الفوضى في التصاميم في عراق ما بعد 2003 فقط، وهل هي انعكاس للظروف التي مرت بالبلاد؟


السبب الرئيس هو أنها انعكاس للفوضى التي عمت في عموم مفاصل الدولة، والسبب الآخر هو تقسيم المنازل، والسبب الثالث هو انتشار ما يسمى المقاول، وهم -من دون إساءة- من الطبقة البسيطة وليس لديهم الكم الكافي من التغذية البصرية، ولا خلفية طورا خلالها مهاراتهم، يجب أن ينتهي دوره عند هيكل البيت، ويبدأ دور المصمم، حتى إن وجود المهندس غير كاف إذا لم يكن مطلعا ولديه شغف بمجال التصميم.

إضافة إلى ذلك التقليد العشوائي الذي حدث  بعد 2003، وهو خطأ وقع به مجتمع كامل.


ما هي أبرز 5 أخطاء تتكرر في تصميم واجهات المنازل؟


أولا تتعدد مواد التغليف، فتجد واجهة واحدة بها نثر وصبغ وحجر قرض وسيراميك، والثاني هو تعدد ألوان الواجهات المنزلة، إذ يعمد الكثير على وضع ألوان عديدة بشكل غير مدروس، والثالث إضافة الأشكال الهندسية المتداخلة والغريبة، ولا أعرف السر العجيب وراءه، حتى إن بعضها بشكل مضحك وغريب.


والسبب الرابع هو توزيع الإنارة غير المدروس وتعدد الألوان، وتكوين أشكال غريبة ومرعبة منه، فهناك مبالغة بتوزيع إنارات الواجهات، حتى لو كانت ذات لون واحد.


والخطأ الخامس هو الكتائب المبالغ فيها، والناتجة عن الخوف من الآخر، فوظيفة الكتيبة هي منع الإنسان من الدخول، فيما يتوفر لدينا اليوم تصاميم تمنع دخول الجرذان! وخلف هذه الكتائب، زجاج منقوش، عندما تسأله عنه يقول لك أخاف من الرؤية (من الخارج للداخل)، وعندما تسأله عن الكتيبة يقول أخاف.. وعندما تسأله عن ارتفاع السياج (سور المنزل الشاهق)، يقول لك أخاف، والأبواب أيضا، البيوت صارت معتمة وكأنها سجون، هناك خوف مبالغ فيه وغير مبرر.