تقرير اميركي يتوقع اقتتالاً عراقياً ودخول 700 ألف شاب "مستنقع الفقر"

بغداد - IQ  

سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الضوء، الثلاثاء (5 كانون الثاني 2021)، على آثار الأزمة المالية في العراق على الحركة التجارية في أهم سوقين ببغداد، وفيما رجحت دخول 700 ألف شاب قادر على العمل "غير المتوفر" إلى طبقة الفقراء والمحرومين سنوياً، نقلت عن خبراء اقتصاديين توقعهم نشوب صراعات مسلحة بين جهات عدة للسيطرة على الموارد القليلة في البلاد. 

وقالت الصحيفة في تقريرها لها اطلع عليه موقع IQ NEWS، إن "اكواما شاهقة من أكياس الدقيق غير المباعة التي تزن 110 أرطال تحيط بالتاجر حسن الموزاني في سوق الجملة بمنطقة جميلة بالقرب من حي مدينة الصدر المترامي الاطراف في بغداد".


ونقلت عن الموازني قوله، "في العادة أبيع ما بين 700 إلى 1000 طن شهريًا على الأقل، لكن منذ أن بدأت الأزمة، قمنا ببيع 170 إلى 200 طن فقط".


وأشارت الصحيفة إلى أن "هذه المشاكل هي مؤشر على مستوى الأرض لما يقول الاقتصاديون إنه أكبر تهديد مالي للعراق منذ عهد صدام حسين، العراق لم يعد يملك أموالاً لدفع فواتيره، وأدى ذلك إلى أزمة مالية كبرى مع احتمال زعزعة استقرار الحكومة، التي أطيح بسابقتها قبل عام، بعد احتجاجات حاشدة على الفساد والبطالة أدت إلى اندلاع اقتتال بين الجماعات المسلحة وتمكين إيران من السيطرة على العراق. وقد انتهزت إيران فرصة وجود حكومة عراقية ضعيفة لتقوية سياستها".

وتابعت، "مع تضرر اقتصاده بسبب الوباء وانخفاض أسعار النفط والغاز، التي تمثل 90 في المائة من إيرادات الحكومة، لم يتمكن العراق من دفع رواتب موظفي الحكومة لشهور في نفس الوقت من العام الماضي".

واستطردت نيويورك تايمز، أن "العراق خفض في الشهر الماضي العراق قيمة عملته، الدينار، لأول مرة منذ عقود، ورفعت الأسعار على الفور على كل شيء تقريبًا في بلد يعتمد بشدة على الواردات. وفي الأسبوع الماضي، قطعت إيران إمدادات العراق من الكهرباء والغاز الطبيعي ، بحجة عدم السداد، تاركة أجزاء كبيرة من البلاد في الظلام لساعات في اليوم".

ونقلت عن أحمد الطبقجلي، مصرفي استثماري وزميل أول في معهد الدراسات الإقليمية والدولية ومقره العراق، قوله "أعتقد أنه أمر مروع، النفقات أعلى بكثير من دخل العراق".

وتشير الصحيفة الأميركية، إلى أن الكثير من العراقيين يخشون المزيد من تخفيض قيمة العملة الوطنية في المستقبل على الرغم من نفي الحكومة العراقية هذا الأمر.

ونقلت عن خلف، الذي تحول إلى الأعمال التجارية بعد عدم عثوره على وظيفة رغم حمله شهادة في علم الاجتماع، إن "الجميع يخافون الشراء أو البيع".


وتعود نيويورك تايمز إلى التاجر في سوق جميلة حسن الموازني، ذو الـ56 عاماً، مبينةً أنه يستورد الدقيق من تركيا بالدولار، وحتى وقت قريب كان يبيع الكيس الواحد مقابل مقابل 22 دولاراً، لكن بعد تخفيض قيمة الدينار، قام برفع السعر إلى 30 دولارًا".


ونقلت عن صاحب مطعم جاء للسؤال عن السعر الجديد للطحين، واسمه كرم محمد، إن المطاعم كانت خالية في الغالب بسبب الوباء والأزمة المالية، وبالتالي لم يكن هناك طلب كبير على الدقيق.

وتنتقل نيويورك تايمز إلى سوق الشورجة، الذي يعد سوقاً استراتيجياً في بغداد.


في كشك قبالة زقاق ضيق ومتعرج في سوق الشورجة، أحد أقدم الأسواق في بغداد، يبيع أحمد خلف أصغر الكماليات: طلاء الأظافر، ومشابك الشعر البلاستيكية، وأقلام الرصاص الملونة.


حتى أثناء الوباء، بحلول منتصف الصباح، توضح نيويورك تايمز، فإن الأكشاك في سوق الشورجة عادة ما تكون مكتظة بالمتسوقين الذين يشترون المواد الغذائية الأساسية والسلع المنزلية. لكن الممرات كانت شبه فارغة الأسبوع الماضي.


ونقلت عن خلف، 34 عاماً، قوله "عملاؤنا هم في الغالب موظفون حكوميون، لكن كما ترى، لن يأتوا".


وبينما فاجأ تخفيض قيمة العملة معظم العراقيين، تمضي "نيويورك تايمز" قائلةً إن "الأزمة الاقتصادية والمالية كانت لسنوات في طور التكوين"، مشيرةً إلى أن "رواتب ومعاشات القطاع العام تكلف الحكومة حوالي 5 مليارات دولار شهريًا، لكن عائدات النفط الشهرية وصلت مؤخرًا إلى حوالي 3.5 مليار دولار فقط. ويعوض العراق النقص عن طريق حرق احتياطياته التي يقول بعض الاقتصاديين إنها غير كافية بالفعل".


وخلص صندوق النقد الدولي في ديسمبر كانون الأول إلى أنه "من المتوقع أن ينكمش اقتصاد البلاد بنسبة 11 في المائة في عام 2020، وحث العراق على تحسين الحوكمة والحد من الفساد.


وتابعت الصحيفة إنه "على مدى 18 عامًا ، دعمت عائدات النفط نظامًا تفوز فيه الحكومة بالدعم  من خلال منح الوزارات للفصائل السياسية، التي تُمنح حرية الحركة تقريبًا لخلق الوظائف، وتضاعف حجم الخدمة المدنية في العراق ثلاث مرات منذ عام 2004"، فيما يقدر الاقتصاديون أن أكثر من 40 في المائة من القوة العاملة تعتمد على الرواتب والعقود الحكومية".


ونقلت عن الطبقجلي قوله، إن "كل حكومة تمكنت من شراء المزيد والمزيد، لكن شراء الولاء ، وشراء الإذعان قد انتهى".


وتلفت نيويورك تايمز، إلى أن "الرواتب العامة المرتفعة أدت إلى القليل من الإنفاق على البنية التحتية، وتضرر الاقتصاد العراقي أيضًا من جائحة فيروس كورونا، حيث فقد العديد من العاملين في القطاع الخاص الضعيف بالفعل وظائفهم".

من جانبهم، يقول الاقتصادي الطبقجلي واقتصاديون آخرون للصحيفة الأميركية، إن "تخفيض قيمة العملة كان خطوة صعبة ولكنها ضرورية لمساعدة الشركات العراقية. ومع ارتفاع تكلفة الواردات، يمكن للسلع العراقية مثل المنتجات الزراعية أن تتنافس بسهولة أكبر".

"ومما زاد البؤس"، توضح الصحيفة هو "قدرة العراق المحدودة على الدفع لإيران مقابل الكهرباء والغاز الطبيعي. لا يُسمح للعراق بتحويل الأموال النقدية إلى إيران، ولكنه بدلاً من ذلك يرسل الغذاء والدواء مقابل الغاز الطبيعي والكهرباء. وتقول إيران إنها مدينة بأكثر من خمسة مليارات دولار".

وتنقل عن عبد الحسين العنبكي، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قوله، إنه "لا يمكن للعراق سداد كل الديون لإيران. وهي أيضًا تواجه أزمة اقتصادية ولا يمكننا شراء الغاز دون أن ندفع".

وقال مسؤولون عراقيون، وفقاً للصحيفة، إن "جزءًا من ديون العراق نتج عن عدم قدرته على السداد"، لكن حصة الأسد، حوالي 3 مليارات دولار، لا تزال مجمدة في بنك عراقي، بينما "يكافح العراق للامتثال للعقوبات الأمريكية ضد إيران".

وتنقل أيضاً عن فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الاستشاري العراقي، وهو معهد لبحوث السياسات، قوله، "بالنسبة للعراقيين، الأمر صعب لأن آلية الدفع لهم تكاد تكون معدومة لأنه من الواضح أن الأمريكيين يراقبون الوضع عن كثب".


وقال علاء الدين وآخرون، كما تنقل نيويورك تايمز، إن "الأزمة المالية يمكن أن تؤدي إلى تجدد الاحتجاجات والصراعات بين الجماعات المسلحة للسيطرة على موارد العراق المحدودة بشكل متزايد".


وأشارت الصحيفة إلى أن "عدم قدرة العراق، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، على إمداد مواطنيه بالكهرباء بشكل موثوق وحاجته لأن يستورد الكهرباء هو دليل على الخلل الذي أدى إلى احتجاجات مناهضة للحكومة العام الماضي وأسقط الحكومة السابقة، فيما عانت البنية التحتية للطاقة في العراق من ثلاث حروب مدمرة منذ الثمانينيات، دمرت المصافي ومحطات الطاقة. ولكن منذ أن أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق بصدام حسين في عام 2003 ، منع الفساد وعدم الكفاءة الحكومة العراقية من استعادة الكهرباء بالكامل".


بالإضافة إلى ذلك، تستطرد نيويورك تايمز قائلةً إنه "على الرغم من أن العراق غارق في النفط، إلا أن معظم محطات الكهرباء تعمل بالغاز الطبيعي. يمتلك العراق احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي لكنه لم يستثمر بكثافة في تطوير صناعة الغاز. وإلى أن فرضت إدارة ترامب عقوبات إضافية على إيران، كان استيراد غاز الكهرباء من إيران هو الحل الأسهل".

ونقلت عن هيفاء جدو، 55 عاماً، التي جاءت إلى سوق الشورجة لشراء بذور السمسم والجوز، إنها وزوجها، وهو متقاعد أعمى، كانا يعملان ببساطة بدون كهرباء لأجزاء كبيرة من اليوم.


وقالت هيفاء، "اعتدنا أن ندفع المال لمالك المولدات، لكننا لم نعد مشتركين معه منذ أربعة أشهر لأنه رفع السعر". وقالت إن الجوز الذي اشترته قبل شهر مقابل 3.50 دولار للرطل أصبح الآن حوالي 5 دولارات وبعيد المنال.


وأشارت نيويورك تايمز، إلى أن الحكومة اقترحت إجراءات شاملة لمحاولة تعزيز الاقتصاد، بما في ذلك زيادة الضرائب  في خطة معروضة الآن على البرلمان. "لكن العديد من السياسيين يعتمدون على احتمالات ارتفاع أسعار النفط هذا العام لتأجيل تمرير ما يقول الاقتصاديون إنه إصلاحات مطلوبة بشكل عاجل".


وإلى أن يحدث ذلك، تلفت الصحيفة، إلى أنه "من المتوقع أن تنمو البطالة مع دخول حوالي 700 ألف شاب إلى سوق العمل كل عام. ومع وجود عدد قليل من الوظائف، فمن المرجح أن ينضموا إلى ما أصبح طبقة دنيا دائمة من الفقراء والمحرومين".

بالقرب من سوق الشورجة، وضع عمار موسى، الذي كان يرتدي قناعًا أسود ومعطفًا أخضر زيتونيًا على الطراز العسكري، أشجار عيد الميلاد الاصطناعية وأكاليل الزينة لبيعها في الشارع الرئيسي المزدحم لعملائه المسيحيين الأرثوذكس، الذين يحتفلون بالعيد في يناير كانون الثاني.

وموسى، 45 عاماً، تخرج من كلية تقنية بدرجة دبلوم ميكانيكي، كما توضح الصحيفة، لكنه يقول إنه لم يتمكن أبدًا من العثور على وظيفة في مجاله.

كان يقف بجوار شجرة عيد الميلاد البيضاء وعليها مايلر سانتا مفرغة من الهواء معلقة على أغصانها المعدنية، وأوضح أن لديه متجرًا توقف عن العمل ويقود الآن سيارة أجرة.

وكالعديد من العراقيين يكتب الشعر أيضا. وعندما طُلب منه أن يقرأ إحدى قصائده ، أخرج سيجارة من عبوة وكسرها إلى نصفين وألقى بها على الأرض.


قال، كما تنقل نيويورك تايمز، "أنا مثل السيجارة. أحترق وينتهي أمري مثل عقب السيجارة، لا تتحدث معي عن الوطن. نحن فقراء ووطننا القبر".