التشرينيون "الأوائل".. محنة المراجعة بين التصعيد والتجميد

بغداد - IQ  


المتظاهرون الذين واكبوا اللحظات الأولى للحراك الشعبي الذي اندلع في مدن عراقية عدة خلال تشرين الأول أكتوبر 2019، في محنة بسبب إجرائهم مراجعة لكل ما جرى خلال عام، فيما تتنازعهم مواقف متباينة، بين التوقف وتقديم الاعتذار لزملاء شاركوهم طموحات التغيير، وبين النزول عند رغبة من فضلوا الاستمرار بالتصعيد وإعادة الزخم لحراكهم الذي فقد قوته السابقة بسبب العنف وانتشار جائحة كورونا.


يرى هؤلاء أن ساحات التظاهر "لم تعد اللاعب الأقوى" بفعل متغيرات حدثت مع مطلع العام الجاري كـ"حادثة المطار" التي أودت بحياة الجنرال الايراني قاسم سليماني قائد قوة القدس الإيرانية ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في غارة أميركية، والحرب التي كان من الممكن أن تقع في العراق بين إيران وأميركا، وبعدها "اضطرار" القوى الشيعية إلى "أكل لحم الميتة" بموافقتها على تكليف مصطفى الكاظمي برئاسة الوزراء، وبينهما "جرّة الأذن" التي قدمها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للساحات بعد اختلاف وجهة نظره معها و"رفضه التخريب الذي يمارسه بعض المتظاهرين".

هذه المتغيرات بمجموعها، يضاف إليها الدعاية التي تروجها بعض الأحزاب بأن الكاظمي ومستشاريه دخلوا القصر الحكومي بـ"تكاتك" المتظاهرين، رغم أن ساحات التظاهر رفضت في تشرين الأول 2019 تقديم مرشح إلى البرلمان ليتولى تشكيل حكومة جديدة، خلفاً لعادل عبد المهدي واكتفائها بتقديم مواصفات عامة لمن يجب أن يشغل المنصب.

في هذا الإطار، كتب سجاد حسين، متظاهر وصحافي كان قد شارك في تظاهرات 2019 منذ أيامها الأولى، على فيسبوك: "في مواقف كثيرة أثناء التظاهرات (تناغمت) مصلحتنا مع مصالح جهات مختلفة، وفي وقتها كنا نحن لاعبا اساسيا، ونتلاوى مع هذا التناغم حتى نجعله لمصلحتنا فقط".

لكن، عندما تقدم وسائل إعلام ومنصات إلكترونية تابعة لقوى سياسية وجهات مسلحة، الدعم الإعلامي للمتظاهرين فهنا يستدرك حسين "يحتاج (أن) نفكر ألف مرة قبل أن ناخذ أي خطوة.. اليوم الوضع مختلف 180 درجة".

في المقابل، وبينما يقول بعض من قرروا الخروج إلى الساحات، إن غايتهم إحياء ذكرى تشرين واستذكار ضحاياها مكتفين برفع صور زملائهم القتلى والأعلام العراقية وترديد النشيد الوطني، يؤكد غيرهم أن التظاهرات مستمرة، ولم تتوقف كي تُحيى ذكراها.

في الساحات، وخاصة التحرير وسط العاصمة بغداد التي شهدت بعد ظهر اليوم الأحد (25 تشرين الاول 2020)، صدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية في مناطق العلاوي وجسري السنك والجمهورية أسفرت عن إصابة 37 مدنياً و14 عنصر أمن بينهم ضابطان، وفق مصادر أمنية، "هناك اعتقاد عام بأن من يدفع إلى التصعيد أو العنف ومواجهة القوات الأمنية هم مندسون مرسلون من قبل أحزاب تريد توريط الحكومة والمتظاهرين معاً في مواجهة قد تُسقط الكاظمي مثلما أسقط الهجوم على جسر الزيتون سلفه عادل عبد المهدي".

يوم أمس، خرج رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي لاقى إعلانه السابق (بنية الحكومة إنشاء نصبين في بغداد وذي قار "يخلدان" تظاهرات تشرين 2019) سخرية وانتقاد متظاهرين كثر على مواقع التواصل الاجتماعي، في خطاب تحدث فيه عن "التحديات" التي واجهت حكومته منذ تشكيلها في نيسان أبريل الماضي، وما "قدمه" في ملفات الأمن والاقتصاد ومكافحة الفساد وضبط الصراع الخارجي على الأرض العراقية.

وقال معلقاً على تظاهرات اليوم، إن "هدف الأجهزة الأمنية حماية الشعب وليس الاعتداء عليه، وإن أوامر مشددة قد صدرت لحماية المتظاهرين"، داعياً إياهم إلى "احترام الرتب العسكرية، وأخذ الحيطة والحذر من محاولات من أصابهم الخبث وانعدام الوطنية، وزرع العابثين ومثيري الفتن في التظاهرات"، ومشدداً على "تنظيم الصفوف، وأن لا تقفوا مع من يريد بالعراق سوءاً".

"مراجعة لخطوات المستقبل"

في جانب آخر، وبينما يعتقد كثيرون أن التظاهرات ستعود بزخمها الواسع مستقبلاً بسبب "عدم تحقق مطالبها"، يجري متظاهرون وناشطون مراجعة وتقييم لتجربة تشرين الأول 2019.

مهتدى أبو الجود، يؤشر في صفحته على فيسبوك "تشتت" خطاب ساحات التظاهر، وطرح بعض الناشطين أنفسهم كـ"قادة" للساحات التي يتظاهرون فيها و"يعقدون اجتماعات خاصة وعامة" بهذه الصفة، رغم أن التظاهرات انطلقت حينها بشكل عفوي دون أن يدعي أحد قيادته لها.

ويؤكد هذا الناشط على أن "كل شيء واضح، لكن الموضوع بحاجة إلى تنظيم عن طريق لجنة شبابية لا تخرج عن المتبنيات العامة لتشرين، ويتم اختيار أعضائها بالتنسيق مع جميع الساحات ليكون الخطاب والخطوات موحدة، ولا تقع الساحات في ذات الأخطاء التي وقعت بها في السابق"، مبيناً أن "أول تلك الأخطاء هو تشتت الخطاب والالتفاف والتسويف من قبل من يطرح نفسه كرأس هرم وهو ليس من الهرم في شيء".

كما يشدد أبو الجود على أن "هذه اللجنة يجب أن لا ترشح أحداً بينما المتظاهرون نائمون في الساحات، وأن لا تساوم على دمائنا ودماء أصدقائنا".

الصدر: المشاغبون بدأوا

ظهر اليوم، كتب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تغريدة على تويتر معلقاً على "تظاهرات إحياء الذكرى": "بدأ المندسون المشاغبون المدعومون من الخارج يخرجون الثورة عن سلميتها ولا سيما بعد أن أعلن رئيس الوزراء عدم تسليح القوات الأمنية!؟؟"، داعياً الحكومة إلى "بسط الأمن وردع الوقحين من التخريب وزعزعة الأمن".

وأضاف "على الحكومة فتح الطرق وإرجاع هيبة الدولة، وإلا فإن هذا يدل على التواطؤ مع ذوي الأجندات الخارجية والأفكار المنحرفة".

وفيما صوّت مجلس النواب أمس على فقرات الدوائر الانتخابية المتعددة لـ16 محافظة باستثناء كركوك ونينوى، ضمن قانون الانتخابات الجديد، تعتقد شخصيات سياسية وبرلمانية أن الانتخابات التي حدد الكاظمي 6 حزيران يونيو 2021 موعداً لها، سيتم تأجيلها عند حلول الموعد، وكلاهما تعديل قانون الانتخابات لضمان مشاركة أوسع للمستقلين في العملية السياسية، وإجراء انتخابات مبكرة، كانا ضمن مطالب احتجاجات تشرين 2019، التي سقط فيها نحو 560 قتيلاً من المحتجين والقوات الأمنية، حسب أرقام رسمية، وأصيب عشرات الآلاف.