ما مصير القوات الأميركية في الخليج بعد الانسحاب من أفغانستان؟

متابعة - IQ  

قالت مجلة ”فورين بوليسي“ الأميركية إنه مع رحيل الولايات المتحدة عن أفغانستان، فإن السؤال الذي يتعلق بالقوات الأميركية في الشرق الأوسط، التي تدعم المهمة الأفغانية، يحتل حيزًا كبيرًا.


وأضافت، في تقرير نشرته، على موقعها الإلكتروني: إن “قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بانسحاب كل القوات الأميركية من أفغانستان بمثابة ضربة مزدوجة، حيث يقوم بعض القوات الأمريكية المنتشرة في الخليج بدعم العمليات الأمريكية في أفغانستان، ويمكن سحب تلك القوات وإعادة نشرها لعمليات أخرى بعد إنهاء الولايات المتحدة لمهمتها العسكرية في أفغانستان“.


وأوضحت: “ومع ذلك، فإن إدارة بايدن ستظل تجاهد من أجل تحديد عدد القوات الكافي للبقاء في الخليج، حيث تقدّر أعدادها بالآلاف في إرث خاص بالرئيس السابق دونالد ترامب، ومن بينها قوات مخصصة لدعم العمليات العسكرية الأمريكية في العراق.


وتابعت: “بالطبع، فإن هذا ليس نقاشًا جديدًا، ولكن خلال السنوات الأخيرة، فإن الأصوات المطالبة بإنهاء الحروب الأمريكية التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط تلقي الأضواء على قيمة الدور التاريخي للولايات المتحدة في ضمان أمن الخليج. ولكن حتى الآن، فإنه لا يوجد توافق حول هذا الأمر“.


وأردفت:“كما هو الحال بالنسبة للنقاشات السياسية الأمريكية، فإن المواقف أصبحت أكثر تشددًا حول نقيضين: إعداد القوات من أجل الانسحاب، أو الاستمرار على نفس النهج، إلا أن الإجابة تكمن بين النقيضين“.


ورأت أنه طالما استمر العالم، ناهيك عن الولايات المتحدة، في الاعتماد على صادرات النفط والغاز من الخليج، واستمر الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، مع احتمالات قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي، ومهاجمة أمريكا وشركائها في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة إلى الحفاظ على وجودها العسكري.


ولكن القرارات المتعلقة بحجم تلك القوات يجب أن يتم بناؤها على الحسابات الصعبة للمصالح الأمريكية في الخليج، وفهم التهديدات لتلك المصالح، وتقدير الفوائد والتكاليف والمخاطر، وعواقب كل اختيار سياسي، وفق المجلة.


ورصدت ”فورين بوليسي“ آراء الجانبين، المؤيد للانسحاب العسكري الأمريكي من الخليج، والمعارض لمثل هذا التوجه.


وقالت:“يملك أنصار فك الارتباط العسكري الأمريكي مع الخليج العديد من الأسباب، أولها أن الولايات المتحدة ليس لديها مصالح حيوية في الخليج، حيث تتراجع الأهمية الإستراتيجية للمنطقة نتيجة زيادة إنتاج الطاقة، والتنوع في سوق الطاقة العالمية“.


الأمر الثاني يتمثل في أن التهديدات الرئيسة للأمن والاستقرار الإقليمي هي أشياء داخلية، تعود إلى ضعف الدولة، والخلل الإداري، ولا تزال القوات الأمريكية غير قادرة على التعامل مع مصادر هذا الصراع.


الأمر الثالث هو أن المصالح الأمريكية الرئيسة ليست الآن عرضة للتهديد، ويمكن الحفاظ عليها بتكلفة ومخاطر أقل، حيث لا تحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على وجود عسكري مستمر في وقت السلم، لحماية التدفق الحر للنفط، والدفاع عن أمن إسرائيل، ومحاربة التطرف، أو منع ظهور هيمنة إقليمية معادية.


رابعًا، تستطيع الولايات المتحدة توفير مبالغ مالية كبيرة إذا تم سحب القوات الأمريكية وعودتها إلى الوطن، وخامسًا فإن القدرات العسكرية الأمريكية المنتشرة في الخليج يمكن أن يتم نشرها بشكل أفضل في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كي تكون هناك منافسة للقوى العظمى، مثل: روسيا، والصين.


وفي النهاية، فإن الحد من الانتشار العسكري الأمريكي في الخليج من شأنه أن يقلل خطر تورطها في النزاعات الداخلية للدول الأخرى، وطالما أن الولايات المتحدة تدير قواتها في المنطقة، سيكون من المغري للغاية بالنسبة للقادة الأمريكيين السعي لحل المشكلات الخاصة بالسياسة الخارجية عبر الوسائل العسكرية.


من جهة أخرى، فإن أنصار الحفاظ على الوضع القائم عسكريًا يبررون ذلك بأن الفوائد المالية والإستراتيجية لفك الارتباط مع المنطقة مبالغ فيها بشدة، وتأتي مبرراتهم وفقًا للتالي:


أولًا: معظم القوات الأميركية في الخليج تدعم العمليات العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان، ولديها أيضًا أدوار غير قتالية، مثل التدريب والاستشارات، ومساعدة القوات المحلية، وطالما استمرت مهام القوات الأمريكية في الدولتين، فإنه لا يوجد ما يدفع نحو خفض عدد القوات.


ثانيًا: انتشار القوات الأمريكية في الخليج لم يكن أبدًا الهدف منه ضمان حصول الولايات المتحدة على إمدادات النفط، في ضوء القدرة على الحصول على النفط من مناطق أخرى، ولكن الأمر يتعلق بأصدقاء وشركاء وحلفاء أمريكا حول العالم. ورغم تراجع الأهمية الإستراتيجية للخليج بالنسبة للولايات المتحدة، فإن واشنطن لا تزال لديها مصلحة مهمة في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية والتصدي للطموحات التوسعية الإيرانية.


ثالثًا: سيؤدي عدم الاستقرار إلى تهديد شركاء أمريكا، وخلق ملاذات آمنة للجماعات التي تسعى لمهاجمة الولايات المتحدة، في الوقت الذي يمكن أن يؤدي فيه إصرار إيران وطموحاتها الجيوسياسية في المنطقة إلى اندلاع صراع مع الولايات المتحدة نفسها.


رابعًا: القوات الأميركية المتمركزة في دول مجلس التعاون الخليجي تعاني من أعداد قليلة للغاية من الضحايا، كما أن تكلفة وجودها في المنطقة صغيرة ورخيصة للغاية، في ضوء الميزانية المطلوبة لوزارة الدفاع في العام 2021، والتي تصل إلى 740 مليار دولار.


ورأت المجلة في هذا الصدد أن سحب هذه القوات لن يوفر أي أموال، كما أن دول الخليج توفر مرافق تدريب متميزة، وتتحمل معظم تكاليف دعم القوات الأميركية، وبالتالي فإن نقل هذه الأصول سيكلف وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، المزيد من الأموال. كما أن الوجود العسكري الأمريكي الحالي لا يثير أي مشكلات سياسية، فهو لا يولد عداءً محليًا أو يهدد الاستقرار الداخلي، أو يخلق مشاكل سياسية للبلدان المضيفة، أو يمثل خطرًا جسيمًا لوقوع هجمات إرهابية.


كما أن أنصار الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في الخليج يرون أن عدم استمرار الوضع القائم يهدد بمخاطر يتم التهوين من آثارها، حيث يمكن أن يثير رعب حلفاء الولايات المتحدة، وشعورهم بالضعف أمام مخاطر تعرضهم لأي هجوم، كما أن بعضهم يمكن أن يتحرك بشكل أكثر شراسة ضد إيران.


وتابعت المجلة:“بكلمات أخرى، فإن وجود القوات الأمريكية في المنطقة ليس فقط لردع إيران، ولكن أيضًا لكبح شركاء الولايات المتحدة“.


وبحسب ”فورين بوليسي“، فإن فك الارتباط يمكن أن يقوض مصداقية الردع التقليدي للولايات المتحدة، ويمكن لطهران أن تقرر التحرك بشكل أكثر عدوانية، لأنها ترى تراجع الولايات المتحدة كدليل على أن واشنطن لم تعد ملتزمة بالدفاع عن دول الخليج.


وحذرت من أن دول الخليج يمكن أن ترى أيضًا الولايات المتحدة بأنها لم تعُد شريكًا أمنيًا موثوقًا به، وأن تلجأ إلى تطوير برامجها النووية الخاصة بها، ما يدفع المنطقة نحو سباق تسلح.


وختمت المجلة تقريرها بقولها:“حتى يتوصل الطرفان إلى نوع من التسوية، فإن الخفض الكامل للوجود العسكري الأمريكي في الخليج سيكون مقيدًا بالمثل القديم:“إذا كنت تريد السلام، فاستعد للحرب“.