ياس خضر.. تأبين عراقي وعربي لمحطة "الريل" الأخيرة

بغداد - IQ  

منذ إعلان نبأ وفاة المطرب العراقي ياس خضر، لف حزن كبير مواقع التواصل الاجتماعي، إذ عبر محبو المطرب وعشاقه عن حزنهم على رحيله، وارتباط أغانيه بحياتهم، فـ"للبنفسج" و"إعزاز"، و"تايبين" و"المكير"، وصولاً إلى "شكراً يا عمر" وأغان أخر علامة فارقة في تحولات عديدة شهدها المجتمع العراقي منذ السبعينيات وحتى وفاته في الأول من أيلول من العام 2023. 

واشتهر الفنان العراقي بلقب صوت الأرض، ليترك خلفة بصمة واضحة ومسيرة مهنية رائدة على صعيد الفن العراقي، محققًا شهرة كبيرة في العالم العربي، وهو ابن خضر بن علي القزويني الحسيني ولد بمدينة النجف، في عام 1938، وكبر وفي داخله صوت ريفي وحنجرة خاصة للأغاني التقليدية العراقي، لتبدأ مسيرته الفنية بالستينيات، عبر أغنية (الهدل)، ليلقب بمطرب الهدل. ثم غنى أبو زركة. وفي السبعينيات التقى بالملحن طالب القرة غولي ملحنًا له البنفسج، ومرينا بيكم حمد. ثم ظل ينتقل من ملحن لآخر مقدمًا أغان متنوعة ذاع صيتها في العالم العربي وعند الجالية العربية في أميركا وأستراليا ولندن.

"الريل" يصل لمحطته الأخيرة 

وعلى الحسابات الشخصية، كتب محبو المطرب العراقي، تعازيهم كل على طريقته الخاصة، فمنهم من اختار نشر أغنية له ومنهم من كتب على مواقفه مع أغانيه، ومنهم من تذكر أيامه مع المطرب المخضرم والذي رافق أجيالاً عديدة على طول السنين. 

وعلى حسابه الشخصي في "فيسبوك"، كتب المطرب العراقي قاسم السلطان "في الصباح يسقط رمحا وطنيا  وفي المساء يسقط  كوكبا منيرا"، مضيفا "نودع فنان العراق الكبير ياس خضر".

وتابع "في زمن  صعب الانتشار واثبات الوجود كان الفنان الكبير  ياس خضر الرقم الاصعب والاول في عالم الغناء العراقي كنت في بدايهة العمر ورأيته مره امام احد النوادي العائليه ينزل من سياره في وقتها لم تكن موجوده في.الشارع العراقي بسنتها  وكان مرتدياً اجمل الملابس وقتها بدله رسميه وكان شامخا وظل هكذا شامخا وراسه عاليا بمنجزه الكبير  ".


فيما اختارت محبة آخرى للراحل أن يقول "تعرفون شنو اللي زعلنا؟.. كلنا كبرنا … وكلنا الان نكول الغناء حرام ونحاول نجاهد النفس ونبتعد عن الاغاني .. ويمكن الان نحن في شهر الحزن، بس اللي زعلنا هو كل كلمه ولحن  يرجعنا سنييييين طويله .. صورة  ياس خضر ترجعني لطفولتي واني اسمعه بسيارة والدي يفتحه بالطريق واحنا مسافرين ".

وتابعت "يذكرني بجذاب.. والمكير اللي احس بيها صوت القطار ويه الكلمه، تذكرت حمد والهيل.. تذكرت العزاز والدمع المرخوص  لحد الجفن، تذكرت التايبين وتذكرت ليلة البنفسج، هذا اللي زعلني .. عمرنا .. ماضي .. ذكريات راحت كلش كانت احلى من هسه ".


وفي أثناء ذلك كتب عاشق آخر لأغاني ياس خضر، "رحل ياس خضر وترك حمد ينتظر الريل، مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل ، وسمعنا دك اكهوه وشمينه ريحة هيل".

واضاف "رحل صوت الجنوب الحزين وهو يحن الى ليلة من ليالي البنفسج ... سافر بعيدا وكأنه يودع الجميع باغنيته الاثيرة، لاتسافر.. لاتسافر مو خلص صبر المكاتيب الحزينة والدفاتر".

وسرد الصحافي السوري هاني نديم، مواقفه مع المطرب الراحل قائلاً: "علاقتي خاصة جدا بالراحل ياس خضر أيام الشباب.. كنا مرة في سيارة على الطريق السريع وانقلبت وتدهورت وظل ياس خضر يصدح من مسجلها: تايبين وللمحبة ما يرجعنا الحنين".

وتابع "كل شيء تعطل في السيارة وفينا أنا وصديقي وائل وظل المسجل يعمل بكل صوته الهادر: غلطة مرت وانتهت.. شمعة العشرة انطفت.. استمرت تدوي في صمت الليل البهيم في كل الأرجاء بصوت عال جدا.. وحين علمنا أننا نجونا من موت محقق صرنا نغني معه: غلطة مرت".

واردف "كنا نحب ونسمع ياس خضر بينما كان شباب جيلنا "الكول" يستمع لموجة المغنين الجدد عمر دياب وما لف لفه، واستمرت تلك الأغنية تدوي في حياتي التي تشقلبت مئات المرات ونجوت..  تدوي في كل الأرجاء حتى اللحظة: غلطة مرت.. وانتهت".


وفي رثائه كتب الشاعر والإعلامي علي وجيه، ياس خضر "أبو كلثوم النجفيّ ، حجر الكوارتز الذي لم يتحوّل خاتماً".

ومما جاء في نص رثائه هذا النص "لا نعرفُ بالضبط متى دخلَ ياس خضر إلى حياتنا، نسمعُ من آبائنا وأمّهاتنا كيف عرفوا فؤاد سالم وحسين نعمة، سعدي الحلي وصباح السهل، ثمّة حكاية شروعٍ لكلّ منهم، وتواجد معيّن، لكن ياس خضر حضر في حياتنا مثلَ عمّ كبير، هو ذلك المحترم، الذي يرتدي البذلة، ويسيرُ في غابات الموصل في الفيديو كليب، بوجهٍ مُحايد، وتسريحة محترمة، وحاجبين كثّين، ونظرة متأملة، وخطى بطيئة..

واضاف "لم يكن ياس خضر "الفنان الوسيم النجم"، كما كان حسين نعمة مثلاً وفؤاد سالم، وبعده قحطان العطّار، بل معنى أدق، لم يكن ياس خضر جزءاً من أيّ موجة، كان حجر الكوارتز الضخم الذي يستقرّ على الطاولة، بجانب أحجار كهربٍ وعقيق وفيروز، تصلحُ أن تكون خاتماً أو قلادة أو مركزاً لسوار".
وتابع "حقّقَ ياس خضر أن يكون أبا كلثوم نجفيّاً ذكراً، وحقّق طالب القره غولي أن يكون امتداداً لمن يحب: محمّد عبد الوهاب، بقطعٍ متوسطة الحجم، ظلّت ملتزمة، بموضوعٍ، وبأداء محترم، لِذا فإن غالبية أغاني ياس خضر، بإمضاء القره غولي تحديداً، لا يُعاد تسجيلها ببساطة من قبل مَن جاءوا بعده".
واستطرد بالقول "وجدناه فجأة في ذاكرتنا، يرتبطُ بالأغنية الطويلة، تلك التي لا تستعيدها ببساطة، إلاّ بكسرٍ روحيّ أو حزنٍ كبير، تودّعُ أحداً فتنتفضُ في ذاكرتك "المكَيّر"، يكسرُكَ شيء فتستمع "دوّريتك"، تختنقُ في الغروب لتلتجئ لـ"مغربين"، لا يحضرُ ببساطة في الغزل، لا تستطيعُ إقناع حبيبة بأغنية لياس خضر، حتى وإن كانت "تعال لحبّك"، هو تلك الوثيقة الذاتية، لروح غريبة، متوحّدة، كئيبة، حتى إن غنّت "وداعاً يا حزن"..

ومضى برثائه قائلاً: "مضى ياس خضر بلا معارك، دون إسفاف، ودون أيّ حالةٍ غريبة أخرى، نجفياً ملتزماً في الغناء والملبس وحتى في الري أكشن الظاهر على وجهه، ورحل شيخاً كبيراً كما يرحلُ الجد بين الأحفاد، تاركاً أغانيه غير اليوميّة، غير العابرة، أغانيه التي لا تحتاجُها إلاّ حينما تستوحشُ روحك، لوحدك، دون آخرين".