"مخاوف وأفكار غير مرغوب بها"

عراقيون في عزلة "الوساس القسري" والخجل يمنعهم من مراجعة طبيب نفسي

بغداد - IQ  

منذ استيقاظها من النوم، حتى نهايتة اليوم، تمضي لمياء حسين، ذات الـ42 عاما، في تنظيف المنزل الذي يلعب فيه أطفالها الثلاثة، المرة تلو الأخرى، بتكرار يقد يصل إلى 12 مرة في اليوم الواحد، حتى تظهر الشقوق في يداها، يدفعها إلى ذلك صوت ينبع من "الوساس القهري"، يحثها أحيانا على ضرب أبنائها.


ويعرف الوسواس القهري على انه اضطراب بيولوجي عصبي يصيب حوالي 1-4٪ من الناس في العالم، كما أن 8 من كل 10 أشخاص يعانون من الوسواس القهري يصابون به في سن 18 عامًا، وتنقل الدراسات بين القول انه مرض متوارث وبين من تنفيه.


ويتسم اضطراب الوسواس القهري (OCD) بنمط من الأفكار والمخاوف غير المرغوب فيها (وساوس) تدفعك إلى القيام بسلوكيات تكرارية (سلوكيات قهرية). تُعيق هذه الوساوس والسلوكيات القهرية الأنشطة اليومية وتتسبب في ضيق شديد.

كيف بدأ الامر؟


تحاول لمياء حسين من بغداد، (42) عاما، والحاصلة على شهادة الدبلوم، ان تسيطر على طريقتها في تربية 3 اولاد بأعمار صغيرة بدءا من الـ10 وحتى العامين قالت "الاطفال بطبيعتهم يلعبون طوال اليوم وانا لا أستطيع سوى التنظيف والصراخ طوال اليوم وليس بيدي حيلة، انا انظف البيت بكل انواع المنظفات لأكثر من 12 مرة الا انني لا اكتفي حتى ان رأيت يداي تتشققان".


وتراود لمياء احيانا افكارا تصفها بـ"الخاطئة" حول نهر اطفالها بقوة او بعنف حين يلعبون بعد تنظيفها، تقول لموقع IQ NEWS: "يخطر على بالي احيانا انني بحاجة الى اذيتهم او ان اسمعهم يصرخون حتى قرأت عن حالتي عبر شبكة الانترنت وتطابق اوصافي من هو مصاب بالوسواس القهري، إذ انني انظف طوال اليوم واجن إن رأيت مكان غير مرتب او بقعة ما حتى اصبحت يداي كيدي العجائز كما وانني لا استطيع التواجد بالقرب من أي تجمع مهما كان صغيراً، الامر الذي اضطرني للعزلة وترك زوجي لي مما صعب الامر كثيرا الا ان هذا كله لم يدفعني الى قصد الطبيب النفسي خوفا من نظرة المجتمع ان عرف احد ما وجل ما استطعت فعله هو الكتابة عن حالتي في عدة مجموعات نسائية عبر الفيسبوك".


قصتها لا تبتعد كثيرا عن قصة وسناء محمد الا ان الاخيرة بقيت دون زواج حتى وصلت الى نهاية الثلاثينات من عمرها قالت لموقع IQ NEWS "اجلس في غرفتي طوال اليوم، لا استطيع التعامل جيدا مع اي مكان يضم اكثر من شخصين حتى ان كانوا عائلتي وفي نهاية الامر عرضتني والدتي، بالسر، على طبيب نفسي شخصني على اني مصابة بالوسواس القهري".


رأي طبي


الدكتور كمال الخيلاني، اختصاصي علم النفس السريري وصاحب مركز تخصصي في بغداد تحدث لموقع IQ NEWS عن ماهية هذا المرض وكيف يتم التعامل معه، قائلاً "امتلك مركزا متخصصا بالأمراض النفسية بكادر لا يقل عن 6 اطباء بتخصصات مختلفة بالإضافة الى مجموعة من الباحثين النفسيين والباحثات الذي يجتمعون عند كل حالة تقصد المركز لدراستها والتقرير بشأن خطة المعالجة".


وتابع "نستقبل المصابين بالاضطرابات النفسية والعقلية وهناك نسبة كبيرة من المراجعين من المصابين بالسواس القهري بأنواعه المختلفة وهو شائع عالميا بنسبة 2.5% الى 3% وتتوزع النسبة بين النساء والرجال الا ان النساء هن الاكثر بنسب الاصابة، ويقسم المصابون به حسب درجة الاصابة، فهناك من هو مصاب بوسواس النظافة مثلا (وهو النوع الاكثر شيوعا) و يعاني اصحابه من توتر وانفعال لذا يبدأون بالانسحاب مجتمعيا خوفا من اصابتهم بالتلوث حتى وان اقتنع ان افعاله غير منطقية لكنه لا يستطيع فعل شي الامر الذي قد يتطور الى العزلة المجتمعية وربما يصل به الى الرهاب الاجتماعي الذي يمنعه من التفاعل مجتمعيا على الاطلاق".


العلاج


ويؤكد الاختصاصي انه "نوع من الاضطرابات النفسية التي ترتبط بالقلق ويتميز بمخاوف غي منطقية الا انه، كما اسلفت، لا يستطيع السيطرة عليها، ومن خلال مراجعي العيادة أستطيع القول انه لا يمكن تحديد عمر معين للإصابة كما وان هناك الإصابة قد تطال الاطفال ايضا".


وعن نوعية العلاج او كيفية البدء به قال "بما اننا لا نستطيع تحديد العمر لذا يتأخر بعض الاهالي في علاج أطفالهم حتى يصبح الوسواس القهري جزءا من حياة الطفل ويكبر معه لذا يجب على العائلات ملاحظة تصرفات الأطفال ومتابعتها دائما خاصة وان التأخر قد يتسبب احيانا بالإصابة باضطرابات نفسية اخرى بسبب الوسواس مما يصعب رحلة العلاج".


وعن العلاجات الممكنة أكد الاختصاصي ضرورة قصد الطبيب النفسي اولا والتخلص من عقدة الخجل المجتمعي وتابع "هناك علاجات يبدأ بها المختص منها العلاج النفسي غير الدوائي لمصابي الوسواس بالمراحل الاولى من الاصابة لإقناعه بانه يستطيع السيطرة عليه اما عند وصوله الى شدة عالية من المرض فيلجأ الطبيب الى العلاجات الدوائية كمضادات الاكتئاب".