"أم ندى" و"سهيلة" تحكيان قصتهما لـIQ

عائلات عراقية تحرم بناتها من الإرث لسبب غريب

بغداد - IQ  


"كانت تقتسم مصوغاتها الذهبية بين اولادها الذكور وانا انتظر دوري حتى افرغت العلبة تماما، ظننت انها كأم قد ركنت شيئا من هذه المصوغات لي على جنب الا انها لم تفعل، تكرر الامر مع مقتنيات منزلها وتعداه الى مبالغ مالية متكدسة في خزنة والدي المتوفي، قبيل شهر فقط، والتي اقفلتها ما ان انتهت من اخر رزمة نقود كانت قد اعطتها لأخي الاصغر دون ان تلتفت لي حتى".


هكذا تروي "أم ندى" (47) عاماً والتي تمتلك منزلاً صغيراً ملك لوالدها وسط منطقة الدورة جنوبي بغداد، كيف وزعت والدتها ممتلكاتها على أولادها الثلاث الذكور دون أن تفكر باعطائها شيئاً خاصة وانها تعلم مدى سوء وضع عائلتها المعيشي حيث يعمل زوجها في بيع الشاي بإحدى ساحات العاصمة بغداد ويضطر ولدها (13 عاماً) وابنتيها (15 عاماً و16 عاماً) إلى قطع مسافة أقل من ثلاثة كيلومترات بقليل مشياً على الأقدام إلى المدرسة بسبب ضيق الحال.


وظنت "أم ندى" ان وفاة والدها ستكون بداية لتغيير هائل في حياتها، خاصة وانه يمتلك عدة عقارات في العاصمة بغداد منها عمارة سكنية بأربعة طوابق في منطقة الحارثية بالاضافة الى عدة محال تجارية في شارع الرشيد وخمسة منازل في الدورة ومنزل ضخم في منطقة الجزائر بمحافظة البصرة ومحال تجارية في منطقة العشار ايضاً، إلاّ أنها تفاجأت بتسجيل والدها جميع ما يملك باسم ابنه البكر قبيل أشهر قليلة من وفاته.


وقاد هأشقاء "أم نداء" الثلاثة إلى تقاسم ممتلكات والدهم في بغداد بعد وفاته بإتفاق مسبق لضمان عدم حصول الأخت على أي إرث، ثم انتقل الأخوة إلى رومانيا للعيش مع والدتهم وعوائلهم فيها، وبقيت شقيقتهم المتحسرة تعيش في منزل مؤجر في البصرة حتى ترعى بقية الممتلكات التي لم يتم تقاسمها وتحويل ايجارها الشهري إلى أخوتها في بوخارست.


القانون.. معها


ومثل أم ندى، حُرمت سهيلة صبر (51) عاماً من إرثها، واضطرت إلى التنازل عن حقها في ملكية والدها الذي كان يمتلك منزلاً كبيراً وسط مدينة الناصرية، مساحته 500 متر بالاضافة الى دونم زراعي في قضاء ابي الخصيب جنوبي البصرة.


وتقول "صبر" لموقع IQ NEWS، إنها "تنازلت بعد ان هددها اخوتها الخمسة بانهم سيتركون والدتها عند دار ايواء العجزة ان لم تتنازل، والدتها المقعدة منذ عشرة اعوام والتي تحتاج الى عناية دائمة لاتستطيع هي تقديمها بسبب رفض زوجها ذلك".


وعلى الرغم من أن قضية سهيلة لم تصل الى القضاء ولم تفكر حتى في استشارة محام، أما "أم ندى" فحاولت ذلك وفعلاً عمدت إلى استشارة محام وآخر، وهناك من أخبرها بأن القضية يمكن أن تأتي بنتيجة ولكن بعد أعوام طويلة من المرافعات في المحاكم العراقية إلاّ أنها تراجعت عن توكيل أحد منهم بسبب النصائح التي تلقتها من الأقارب والمحيطين بها بأن ما يحدث هو أمر طبيعي، والمجتمع يفرض تنازل النساء لاخوتهن الرجال "حتى لا تذهب الأموال لزوج الأخت"، وهو ما دفعها إلى الابتعاد عن اللجوء للقضاء ونسيان الأمر تماماً.


هذه القضيتان تشبهان "الكثير من القضايا غيرها"، كما يقول المحامي والخبير القضائي محمد رياض الياسري لموقع IQ NEWS، إن "العديد من النساء يتراجعن عن مواجهة عوائلهن قضائياً للحصول على حقهن في الإرث بسبب الضغوطات الاجتماعية التي تمارس عليهن".


ويضيف "كما تتضمن بعض هذه القضايا تزوير أحد الأطراف للمصادر المعتمدة في استصدار القسّام الشرعي كصور صحيفة السجل المدني لتحويل القضية من ورث إلى تنازل عن الممتلكات. ومع ذلك فإنني شهدت قضايا كثيرة انتهت بحصول النساء على حقوقهن الشرعية"، مبيناً أن "عبارة (لا نعطي إرثنا للنسيب) نسمعها كثيراً في أروقة المحاكم لكن القاضي لا يستمع لمثل هذه الاعتراضات أو يأخذ بها".


ووفقاً لقانون العقوبات العراقي، فإنه "في حال حجب أي وريث أو تقديم أي معلومات خاطئة أو غير صحيحة يحاسب بذلك مقدم الطلب والشاهدين فمثلاً كانت هناك قضية بخصوص شخص منع أولاده الذكور والإناث من الإرث وقام بتسجيل العقار باسم ابنه الكبير الا أن أولاده احتجوا عند القضاء وقاموا بإبطال قيد العقار وطالبوا بحقهم الشرعي. صحيح أن القضية استمرت لأكثر من 8 أشهر الا انهم وبعد عدة إجراءات قانونية وإصدار قسام شرعي تمنكوا من استعادة حقهم".


موقف الشرع


وحول الشرع الاسلامي وقضية كيفية توزيع الإرث، قال الشيخ محمد خليل السنجري وكيل المرجعية الدينية العليا في بغداد، وعضو الأمانة العامة للعلماء في العراق، في حديث لموقع IQ NEWS، انه "لا يوجد اي اختلاف في توزيع الإرث بين المذاهب الاسلامية لأن المصدر هو القرآن ولا مجال للتأويل فيها لذا فإن للاناث حق في الميراث إذا الأب توفى أو الام وهي المالكة للعقار أو للأموال المنقولة وكما للذكر حق فللإناث حق ايضا، أما اخذ هذا الحق فيعد اغتصاباً وديخل في الحرمة الدينية ويستحق هنا عقوبة قانونية".


ويكمل السنجري، انه "اما اذا عمد الاخ الى تسجيل كل مايملك الاب من ميراث فهنا ان كان الاب بكامل وعيه والناس مسلطون على اموالهم فيكتسب اثما ان كان القصد حرمان البنات".