"حمزة" بطل الواقع والافتراض.. من يوقف حالات الانتحار؟

بغداد - IQ  

بصورة مفاجئة، قفز اسم "حمزة" في مواقع التواصل الاجتماعي الى الواجهة، حيث اقترن بالبطولة وإنقاذ النساء المعنفات، بعد أن انتشر فيديو لشاب يعمل في الدفاع المدني، قام بانقاذ فتاة كانت تروم الانتحار، جراء تعرضها للتعنيف من قبل عائلتها.


الفيديو الذي حصد عشرات الآلاف من المشاهدات، وثّق محاولة إقدام فتاة تبلغ من العمر 16 عاما على الانتحار، حيث كانت تقف فوق أعلى سطح منزل عائلتها ذي الطابقين، في حي البياع جنوبي العاصمة بغداد، إذ تصرخ معلنة عن رغبتها بالانتحار رغم محاولات والديها ثنيها، فما كان من "حمزة"، إلا أن اقترب منها تدريجيا، متحدثا اليها، وبعد فترة وجيزة، وفيما تشتكي الفتاة من تعرضها للعنف والضرب من قبل والدها، تمكن "حمزة" من الإمساك بها وسحبها إلى داخل المنزل.


وتشير تقارير رسمية مؤخرا إلى أن حالات الانتحار في العراق زادت من 518 حالة عام 2018، إلى 588 حالة عام 2019، فيما تفاقمت المعضلة مع انتشار جائحة كورونا واجراءات العزل المنزلي التي ترافقت مع الوباء، فيما سجلت وزارة الداخلية 15 ألف حالة عنف منزلي في العراق للعام 2020 بحسب إحصاءات نشرت في كانون الأول 2020.


وبشأن الحادثة، التي تندرج ضمن حالات انتحار متعددة تحدث بشكل يومي في مناطق متفرقة من البلاد، يقول الدكتور علاء شون، عضو منتدى المنصور والصالحية للشرطة المجتمعية، لموقع IQ NEWS إن "الفتاة طالبة في المرحلة الاعدادية، وتسكن مع اهلها في البياع بالعاصمة بغداد، وتعاني من ضغوط نفسية وحالة اكتئاب دفعتها الى محاولة الانتحار".


ويوضح شون، أن "الشرطة المجتمعية وبعد تحويلها الى طبيب نفسي مختص، تابعت وضعها مع اهلها والمحيطين بها"، مؤكدا "نفي عائلتها لما قالته في الفيديو، وأنها لا تتعرض لأية ضغوط نفسية أو لضرب أو تعنيف أسري، ولذا فان الفتاة مازالت تسكن مع أهلها، ولا توجد أية قضية مرفوعة من قبل منظمات مختصة او من بقية عائلتها ضد من تقول الفتاة انه يمارس التعنيف بحقها".


يشار الى أن الحدث الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، حمل العديد من الوسوم المختلفة، منها "قضيتنا حمزة"، أو "مفوض حمزة" أو "نجدة 104"، وجعل الكثير من النساء يتغزلن ببطولة "حمزة" ورجولته.


قضية رأي عام

شمس محمد، وهي مواطنة من بغداد تابعت القضية على مواقع التواصل، تقول لموقع IQ NEWS ان "من المفترض تحويل قضية الفتاة التي تحاول الانتحار الى قضية رأي عام، خاصة وانها تتهم عائلتها، وبشكل صريح في فيديو ظهر على الملأ بتعنيفها وضربها وتهديدها بالقتل ايضا".


وتضيف شمس، أن "الكل نشر عن حمزة، وترك الفتاة التي حاولت أن تزهق روحها، خوفا من عائلتها، حيث لم يكترث الكثيرون لحادثة الانتحار، وحسب ما قالت الفتاة، هي تخاف من والدها الذي يملك سلاحا ناريا، وأنها تعاني من الضرب والتهديد مرارا وتكرارا، وانها تخاف ان تلاقي مصير أختها التي ماتت قبل وقت قصير من انتشار هذا الفيديو".




وتلفت بالقول "بدل نشر معلومات عن المفوض حمزة، وبدل أن تبحث النساء عن حسابات المفوض حمزة على مواقع التواصل الاجتماعي، كان الأجدر تفعيل القضية والضغط نحو فتح تحقيق بحق العائلة وتحويل القضية الى قضية رأي عام للكشف عن حقيقة ما تعانيه الفتاة وانقاذها ان كانت تحتاج لذلك".


وتعلن وزارة الداخلية بين الحين والآخر عن "إحباط" بعض حالات الانتحار، وتلقي باللائمة في بعض الحالات على انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق- وأحيانا على العنف المنزلي.


عنف متزايد


تقول الدكتورة رفاه الزوبعي، مديرة مؤسسة إرشاد للتحكيم والتنمية، فتقول في حديثها لـIQ NEWS إن "زيادة حالات الانتحار في هذا الوقت بالذات تعود الى الوضع الاقتصادي الذي يمر به البلد والضغط النفسي الذي يتعرض له المواطن العراقي، خصوصاً خلال السنتين الماضيتين والظروف التي جاءت بعد التظاهرات، من بينها الحظر الصحي الذي تسبب بتزايد المشكلات الاسرية ومحاولات الانتحار على حد سواء".


وحول متابعة الحالة النفسية لمن يقدمون على الانتحار تضيف الزوبعي، أن "محافظاتنا تشكو غياب الجهات المختصة بمتابعة الحالة النفسية لهذه الشريحة"، مشيرة الى أن "من حق الاهالي او الابوين الامتناع عن عرض طفلهم على طبيب نفسي حتى وان رغبنا بذلك".


وحول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على ماحدث في قضية محاولة انتحار الفتاة ذات الـ 16 عاما، تبين الزوبعي ان "هذه المواقع تساهم قليلا في كشف حقيقة القضايا التي يصورها الجناة للناس على انها محاولات انتحار او قضايا شرف مثل حادثة ملاك التي احرقت من قبل زوجها وعائلة زوجها تتفرج، وهناك الكثير من الحالات المختبئة تحت أسقف، ولكن بدأت يوما بعد يوم تظهر عبر وسائل التواصل".


انهيار "منظومة القيم"


وتقول عبير الجلبي، مديرة مكتب هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لـIQ NEWS ان "ما عرض في الفيديو يكشف أن الطفل العراقي الآن يعيش أسوأ واقع، وأنه محروم من ابسط حقوقه التي كفلها الدستور، وعلى الرغم من ان العراق منضم لاتفاقية حقوق الطفل من 1994، إلا أننا عندما نستقرئ الواقع، فاننا نرى أن هناك حالات اصبحت جزءا من الثقافة، حيث تجاوزنا الان الضرب والتعنيف الى مخاوف من ازهاق الارواح، وتحولت المخاوف من المجتمع الى الابوين، حيث ازدادت حالات انتحار اطفال او مقتلهم على يد الابوين، وهذا يوصلنا لحقيقة ان المنظومة القيمية في العراق بدأت تنهار". 


وعن القوانين الخاصة بالطفل والمبعثرة بين الوزارات ومنها وزارات العدل والتربية والصحة والداخلية، تردف الجلبي "في عام 2017 اطلقنا بالتنسيق مع اليونيسيف سياسة حماية الطفل، والتي تعتبر الوحيدة في الوطن العربي، لكنها تحولت الى حبر على ورق، لاسيما وأن من يعنف الطفل هو من يفترض به حمايته".


وتختتم كلامها بالقول ان "للشرطة المجتمعية دورا محدودا جدا، وأن هناك جرائم مخفية تصور على انها انتحار، بالاضافة الى ان الاهالي يعكسون الضغوط الاقتصادية والمجتمعية على أطفالهم، مما يسبب زيادة حالات الانتحار التي نواجهها، والحقيقة اننا وبسبب غياب تطبيق القانون بالشكل المرجو منه، نعيش شريعة الغاب خاصة".