"احتموا بالقطن والمظلات"

كهرباء متقطعة وحرارة "تفقد الإنسان صوابه".. مهندسون عراقيون يشرحون "أصل المشكلة"

بغداد - IQ  


تتجدد أزمة نقص الكهرباء في العراق مع دخول موسم الصيف كل عام، وهو ما يواجهه العراقيون إما بالخروج في احتجاجات شعبية، خاصة في مدن الجنوب والوسط، أو بالسخرية والتندر على مواقع التواصل الاجتماعي.


وصرفت أموال طائلة على قطاع الكهرباء في العراق، وتكتنف شبهات الفساد الكثير من التعاقدات التي أبرمتها الوزارة المعنية به على امتداد سنوات.


وشهدت عدة مدن وسط وجنوب العراق تظاهرات، في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، احتجاجاً على نقص الكهرباء الواصلة للمنازل، وتخلل بعضها مصادمات مع عناصر الأمن.


على مواقع التواصل الاجتماعي، يشبّه بعض المستخدمين الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي بـ"إشارة المرور"، فيما يبث آخرون مقاطع مصورة تتحدث عن ارتفاع الحرارة، التي تجاوزت الأربعين درجة مؤخراً، وحلول المواطنين للتخلص منها، وبعضها بأسلوب ساخر.


في هذا الإطار، كتب "طارق حسين" على فيسبوك، قائلاً إن "الحرارة يمكن ان تجعل كل شخص ينزع اخلاقه ويلعن المارة ويثير المشاكل بقوة"، فيما يقول "أحمد الحسيني": "بلد عبارة عن اكشن الجو حار والطرق مليئة بالقطوعات،  والأكثر مرارة أنك تصل البيت و(تجد) الكهرباء مقطوعة".


من جانبها، تقول "نصرة محمد" على فيسبوك أيضاً: "نرى الكهرباء نصف ساعة (فقط من) كل ساعتين، ومولد الكهرباء البديل يفرض علينا عشرة آلاف لأامبير الواحد على الرغم من أن وقود هذه المولدات توفرها الحكومة. الغريب ان دائرة الكهرباء تختار يوميا وقت القيلولة ووقت منتصف الليل لإطفاء الكهرباء".


"إجازة مدفوعة"


وينعكس ارتفاع درجات الحرارة سلباً على بعض الأعمال، فعلي كنهار، وهو مهندس يعمل في شركة للمقاولات بالبصرة، جنوب العراق، يضطر أحياناً لإعطاء عماله الذين ينفذون مشروعاً في حقل "الرميلة" النفطي، إجازة مدفوعة الراتب لأن "الحرارة تفقد أي شخص يمشي في الشارع صوابه، فكيف بمن يعمل تحت أشعة الشمس وينقل معدات ويحركها؟".


ويضيف كنهار في حديثه لموقع IQ NEWS، أن "المفزع في الأمر هو أن الحرارة لا تعتدل إلا مع نهاية شهر أيلول، ما يعني أن عملنا سيتعطل لأيام كثيرة".

ويصف علي كنهار، الذي عمِل سابقاً، في الإمارات العربية، الوضع في العراق بـ"الكارثي"، مبدياً استغرابه إزاء "انقطاع الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة".


"كأن الأمر مقصود"، يتابع كنهار حديثه، ولا يقف استغرابه عند هذا الحد، إذ يبدو له اعتماد العراق في تشغيل محطاته الكهربائية على الغاز المستورد من إيران "أمر خارج حدود التصديق. فالعراق يحرق غازه الذي يمكن بواسطته تلبية الحاجة المحلية للكهرباء، ثم يستورد الغاز بالوقت نفسه".


في قطاعات أخرى، يضطر العمّال إلى تأجيل إنجاز عملهم لما بعد غروب الشمس تفادياً للحرارة أو التعامل مع الوضع على ما هو عليه.


ولفهم طبيعة مشكلة الكهرباء الصيفية المتكررة، تحدث IQ NEWS، لمهندس في دائرة كهرباء إحدى المحافظات الجنوبية.


ويقول هذا المهندس، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه مع بداية كل صيف "تعمد إيران إلى تقليل أو قطع الغاز الذي تورده للعراق بسبب تأخر الأخير في تسديد المبالغ لها"، مبيناً أن "طهران كانت تصدر للعراق يومياً 50 مليون قدم مكعب من الغاز، لكنها خفضت الكمية إلى 22 مليوناً بالوقت الحالي، وهذا ما انعكس نقصاً في ساعات تجهيز المواطنين بالطاقة وعجزاً عن تلبية حاجتهم المتزايدة لها في الصيف".


وعزت وزارة الكهرباء العراقية التأخر في تسديد مستحقات الغاز لإيران، والبالغة 2.6 مليار دولار إلى العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، وقالت إنها ستسدد هذه المبالغ.


وينتج العراق 19 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية يومياً، بينما يحتاج فعلياً إلى أكثر من 30 ألف ميغاواط لتلبية الطلب المحلي.


"حجة الاستيراد من إيران"


وتقدر شركة "شل" النفطية العملاقة، أن كمية الغاز العراقي المهدور يمكنها انتاج 3500 ميغاوات في اليوم، أي ما يقارب 70% من إنتاج العراق اليومي من الكهرباء، حسبما يقول المهندس حسين صالح.


ولكن، يقول صالح، إن "وزارة الكهرباء تتحجج بأن ضغط الغاز الإيراني أفضل من نظيره العراقي لـتبرير عملية الاستيراد".


ويضيف، ان"انقطاعات التيار الكهربائي تأتي وفق جدول منتظم، وتعود هذه الانقطاعات المتكررة إلى أزمة خط الغاز الإيراني الذي يتسبب بتوقف 3 محطات ضخمة في البصرة عن العمل".


وتابع أنه "على الرغم من أن محطات الكهرباء العراقية كثيرة، إلا أنها تخضع للفحص والصيانة بشكل سطحي مرة في بداية الصيف، والأخرى في نهايته، فتقع وطأة المشكلة على المواطن الذي بات يعمد الآن لتشغيل كل أجهزة التبريد في المنزل (عند وصول الكهرباء) تحسباً لانقطاعها سريعاً، وهذا أمر لا فائدة منه لأن حرارة الجو تمنع حفظ البرودة داخل المنازل".


"احتموا بالمظلات والقطن"


وأجمعت في الأيام القليلة الماضية، توقعات متنبئين جويين على أن درجات الحرارة سترتفع في العراق بقادم الأيام.


وتقدم الدكتورة ربى فلاح، عضو الفريق الطبي الإعلامي لوزارة الصحة، نصائح للمواطنين عبر IQ NEWS لتقليل آثار الحرارة المرتفعة عليهم، وتقول إن "الحل باختصار هو التزام المنازل وشرب كميات كبيرة من الماء والسوائل الكافية لمعادلة حرارة الجسم والابتعاد عن أشعة الشمس المباشرة والاماكن المغلقة كالسيارات، وعدم ترك الأطفال داخلها تجنباً لحالات الاختناق".


وتنصح فلاح أيضاً بارتداء الملابس القطنية واستخدام المستحضرات الواقية من الشمس والمرطبة للبشرة وكذلك المظلات والنظارات الشمسية والقبعات.


وتشير دراسات إلى أن متوسط درجة حرارة العراق أكثر بضعفين إلى 7 أضعاف مقارنة بالمتوسط العالمي، وهو ما يهدد البلاد بتفاقم مشكلة الجفاف وندرة المياه.