"نوال السعداوي".. جرأة نادرة ولدت أفكارا مدوية لا يقطعها رحيل

بغداد - IQ/ عادل المختار 

رحلت الكاتبة والباحثة والناشطة المصرية نوال السعداوي، لكن أفكارها بقيت شاخصة، ورغم انقسام الآراء العراقية والعربية حولها، بيد أنها تركت ارثا ثقافيا كبيرا وانتقدت بجرأة الكثير من الأعراف السائدة في المجتمعات العربية واقتحمت تابوهات صعبة الولوج. 

وفي هذا الصدد يقول الكاتب والأكاديمي الدكتور نزار السامرائي لموقع IQ NEWS، "ليس غريبا أن يكون هناك اختلاف في المجتمع العربي بشأن أفكار نوال السعداوي، فهكذا هو الأمر دائما بشأن الأفكار التي تخرج عن السائد في المجتمع"، مبينا أن "العقل الجمعي تسيره قوى غير منظورة باتجاه هذا أو ذاك من المفكرين". 


ويضيف السامرائي "وبعيدا عن أن نكون مخالفين أو موافقين لآرائها فإن السعدواي أحدثت أثرا لا يمكن إغفاله في الفكر الاجتماعي العربي والحركة النسوية العربية، وهي بهذا شكلت خطوة متقدمة وجريئة في طرح أفكارها، ويوضح السامرائي، أن "الكثير ممن ابدوا رأيا على مواقع التواصل الاجتماعي لم يقرؤوا كتابا أو يطلعوا على حديث للراحلة، لكنهم استندوا في ارائهم عن ما ينقل عنها، وما اختلاف الاراء حولها بعد وفاتها الا دليل على مدى تأثيرها".


ستة أجيال 


من جهتها، ترى مدير عام مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون الدكتورة غادة العاملي لموقعIQ NEWS ، أن "السعداوي تعد من أبرز المنظرين بقضايا المرأة في عصرها، وتربى على فكرها أكثر من ستة أجيال، ولم تسلك السبل التقليدية في مواجهة قضاياها بل كانت مجتهدة في ايصال أفكارها إلى المجتمع عبر الرواية والكتابة في المجلات والصحف والمحاضرات والندوات والبحوث ومنصات الإعلام"، لافتة الى أن "الراحلة كانت تمتلك كل أدوات الوصول إلى المجتمع بجميع شرائحه ومستوياته، ولهذا كانت هي الأبرز والأهم في التأثير، اضافة إلى ما كانت تمتلكه من فكر مدني وحضاري سابق لعصر مجتمعاتنا".


وتقول العاملي، إن "السعداوي اهتمت بقضايا المرأة وحقوقها المجتمعية منذ الخمسينيات ولم تستهدف منطقتها الجغرافية، بل تجاوزت مساحتها لتكون ناصحة وأداة تصحيح ومعالجة في كل المجتمعات العربية والغربية حتى على المستوى الشخصي"، مبينة أنها "واجهت تحديات عديدة تمثلت بتقييدها في النشر ورفع دعاوى قضائية ضدها، واتهامها بالجنون وغيرها لكن كل ذلك لم يعرقل مسيرة نضالها".


وتلفت العاملي الى أن "كل القضايا التي استشعرت خطورتها مبكرا بداية الخمسينيات من القرن الماضي والتي كان من المتعذر حتى تناولها بهمس في المجتمعات الضيقة اصبحت اليوم عناوين اساسية لمواقع الصحف ونشرات الاخبار وحديث المجتمع، وهذا دليل على استشعارها لقضايا مجتمعاتنا مبكرا ويمثل انتصارا حقيقيا لما تبنته من قضايا، مثل ختان الإناث، وزواج القاصرات، وقضايا الأحوال الشخصية، وتعدد الزوجات وغيرها من قضايا".


حجر في المياه الراكدة


الناشطة الشابة في مجال حقوق الإنسان روان سالم تقول لموقع IQ NEWS، إن "نوال السعداوي كانت على الدوام تلقي حجرا في المياه الراكدة لتتشكل دوائر من الاسئلة المحرجة عن العدالة والمساواة وثنائية الجنس والدين، وغالبا ما تكون اراؤها مثار جدل لن ينتهي الا باتهامها بالكفر والزندقة من قبل المتعصبين، لكنها في المقابل كانت تعتبر ايقونة لتحرير العقل من سجونه الدينية والمذهبية ومدافعة عن احترام حرية الانسان". 


وتضيف سالم، أن "رحيل السعداوي يعد خسارة للعقول النسوية المطالبة بمزيد من الحريات المدنية وحق المرأة في التعليم والحياة الكريمة، لكن عزاءنا ان كتاباتها ستبقى سلاح بوجه التعصب وكفيلة بتحرير الانسان".


إنموذج في الشجاعة


الخبير في علم النفس الاجتماعي، البرفسور قاسم حسين صالح، نشر على موقعه على الفيس بوك منشورا، أكد فيه بالقول "برحيل نوال السعداوي فقدنا امرأة انموذجا في شجاعة استثنائية وتحديا خطرا لتقاليد اجتماعية متخلفة وأنظمة استبدادية وفهم عصابي للدين، ولعل أول كتاب منحها الشهرة هو (المرأة والجنس) وزادها وقوفها ضد ختان الإناث وباصدارها رواية (سقوط الإمام) حاربتها الجهات الدينية، ووصفتها بأنها ملحدة وطالبت باحالتها للقضاء".


وتابع صالح وهو رئيس الجمعية النفسية العراقية، "خسرنا امرأة كاتبة وروائية بثقافة رصينة وعلمية طبيبة أمراض صدرية ونفسية، قد لا تتكرر بالرغم من أنها لم تحقق شهرة بين بسطاء من دافعت عنهم كالتي حققتها بين المثقفين".


إرث باق


مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط الصحفي المصري محمود الشناوي قال لموقع IQ NEWS، إن "نوال السعداوي عاشت 90 عاما قدمت خلالها الكثير جدا من الأفكار وحركت مياها راكدة، وأثارت ضجيجا لن يهدأ برحيلها، درست الطب وعالجت النساء وعبرت عن القهر في اعمال ادبية متنوعة، وقد أصدرت العديد من الكتب بأسلوب أعجبني كما لو يعجبني كاتب مسيحي أو يهودي متخصص في الطب والقانون".


ويضيف الشناوي "لا اوافقها الرأي في كثير من أفكارها، لكنها تظل حالة خاصة لها ابعاد مختلفة وتظل تحديا لقدرة المثقف على فصل نفسه عن عقيدة الكاتب وحياته الشخصية، وكان من الطبيعي أن ينقسم المجتمع عند رحيلها بخصوص رأيه فيها لكن الحكم على الكاتب لا يتصل بالاعمال والاراء دفعة واحدة، وان العقيدة هي علاقتها مع الله وهو الذي يتولى الحساب بالثواب او العقاب".


أعمالها تتحدث


تقول الإعلامية السورية هبة قصوعة لموقع IQ NEWS، إن "السعداوي أفنت عمرها بالدفاع عن المرأة وحقوقها، مثلما دافعت عن الطفل وعن كل مستضعف في مجتمعاتنا، وأن أعمالها هي التي سوف تتحدث عنها بعد وفاتها، وعند ربنا وربنا هو الذي ينصر كل إنسان صادق وكل من لم يتخفى وراء قشور الأخلاق".