100 عام على مسرح الناصرية

ذي قار - IQ  


عرفت محافظة ذي قار المسرح والفن في وقت مبكر من تاريخها، وهي بذلك قد سبقت العديد من المحافظات التي شهدت نهضة فنية وحركة مسرحية في وقت لاحق، وقدمت المحافظة التي تعتبر رائدة في حركة المسرح الكثير من الأسماء الفنية والمسرحية التي برزت في المسرح العراقي منذ ما يقارب المائة عام وحتى اليوم.


وطوال تاريخها كانت الناصرية حافلة بالعروض المسرحية والفعاليات الفنية التي كانت قد بدأت في المدارس ومن ثم في الحياة العامة بمشاركة عدد كبير من المعلمين والمثقفين وظهرت أسماء مسرحية منذ أول عروض مسرحية في العشرينات بحسب الروايات التاريخية لأول ظهور مسرحي في المحافظة.


أول فرقة مسرحية


وبحسب مختصين في مجال المسرح في الناصرية فإن أول ظهور لأول فرقة مسرحية كانت في العام 1921 ومؤسسها عبدالغفار العاني، وكانت بدايتها في المدارس الابتدائية والثانوية بسبب عدم وجود فرق تنظيمية احترافية تعمل بشكل رسمي، ومن ثم لاحقا بعد الزيارات المسرحية العربية والعراقية للمدينة أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات حفز الشباب لتأسيس أول فرقة مسرحية باسم فرقة السعدون المسرحية بإدارة عبدالغفار خضير العاني.


وقدمت هذه الفرقة مسرحيتي (الاستعباد) و(الصحراء) للكاتب والفنان المصري يوسف وهبي، وكذلك مسرحية (بجماليون) لبرنارد شو ثم قدمت الفرقة مسرحية (الصفعة) تأليف وإخراج حمودي مجيد عام 1943، وكانت الفرقة تنتقل بإعمالها إلى الأقضية والنواحي لتقدمها هناك، وغالبا ما يكون التقديم على الأرض من دون وجود خشبة مسرح نظامية.



وعن الحركات المسرحية، يقول المخرج والكاتب المسرحي والأكاديمي، ياسر البراك لموقع  IQ NWESإن "الموثقين اختلفوا في تحديد بداية أول حركة مسرحية في الناصرية، ففي الرواية المسرحي زيدان حمود بكتابه (ذي قار بين الماضي والحاضر) فقد ذكر أن الفرقة تأسست عام 1935 باسم فرقة السعدون المسرحية)".


ويضيف البراك أن "الرواية الثانية للمؤرخ عبد الحليم الحصيني في كتابه (الناصرية، تاريخ ورجالات) حيث أورد أن تأسيس الفرقة كان عام ١٩٣٥ باسم (فرقة السعدون) وهو يقتفي أثر رواية زيدان حمود السالفة لأنه ينقل عنه مباشرة من دون الإشارة إليه، فيما تقول الرواية الثالثة للمؤرخ نفسه أيضاً في كتابه (موسوعة رجال ذي قار في العلوم والآداب والفنون، ج 3) أن العاني أسس الفرقة عام ١٩٣٩ باسم ( فرقة مسرح السعدون)".


ويرى البراك أنه "بمناقشة الروايات السابقة نجد أن واحدة من المشكلات الرئيسية في تدوين النشاط المسرحي في الناصرية هو الاعتماد على الروايات الشفاهية غير الموثقة، وكما هو معلوم أن الرواية الشفاهية على الرغم من أهميتها إلا أنها تبقى خاضعة للذاكرة وقدرتها على عدم النسيان، فالفرق بين التاريخين الواردين في الروايات الثلاث (1935-1939) حوالي أربع سنوات وهي مدة زمنية ليست بالقصيرة من عمر التاريخ المسرحي. ومع عدم وجود وثيقة مدونة ترجح إحدى هذه الروايات".


ويرجح الأكاديمي ياسر البراك، "الرواية التي تقول إن الفرقة قد تأسست عام ١٩٣٩ لسبب منطقي هو أن رواية عام 1935 لا تستقيم مع عمر مؤسس الفرقة حيث يكون عمره وقتها 13 عاما بحسب الرواية الأولى والثانية وهو عمر مبكر لممارسة النشاط المسرحي وتأسيس فرقة مسرحية".


ويكمل، "أما إذا رجحنا الرواية الثالثة فإن الأمر سيكون أكثر منطقية لأن عمر العاني عندها سيكون 17 عاماً وهو عمر يمكن أن يؤهله لممارسة النشاط المسرحي وتأسيس تلك الفرقة لكن المهم في كل ذلك هو تثبيت (الريادة التأريخية) للعاني في تأسيس أول فرقة مسرحية مستقلة خارج نطاق النشاطات المدرسية".

هموم وحسرات مسرحية


"مرور مائة عام على الحياة المسرحية في محافظة ذي قار يعني شريط طويل من التجارب والأسماء والعروض المسرحية، يعني كم هائل من الأحلام والأفكار والتطلعات والتصورات عن الحياة عموما بكل اشكالياتها، وطرح هموم  وقضايا الواقع المحتدم الذي يعيش فيه المبدع بشكل خاص، يقول الكاتب المسرحي علي عبدالنبي الزيدي.


ويضيف الزيدي، في حديث لموقع IQ NEWS، أن "هذا يعني أن تلك الأسماء المحترمة التي أشعلت فتيل المسرح في محافظتنا كانت مصرة على أن تكون ضمن المشهد المسرحي في العراق ومحاضرة فيه بقوة، وبحسب ما قرأت وثائقيا، نجد هناك بواكير التأليف، وايضا تقديم العديد من الأعمال المترجمة، واخرى يجري اقتباسها وتعريقها، ناهيك عن تقديم أعمال لكتاب غربيين كان لهم الحضور الكبير على خشبات مسارح ذي قار".


ويكمل قائلا إن "الأهم كما أرى أن أولئك الذين اجتهدوا مسرحيا كانوا ينظرون للمستقبل بشكل رائع.. لذلك كنا نحن الامتداد الطبيعي للمبدعين الأوائل وبأجيال متعددة، وبالتأكيد كنا على قدر كبير من الاختلاف مع تلك الأجيال بسبب الوعي والقراءات الجديدة والتواصل مع الاخر البعيد، وايضا اختلاف الظروف والمناخات التي عاشها ويعيشها جيلنا المحترق بالحروب والكوارث وفيروسات السياسة والدكتاتوريات الجديدة".


ويمضي قائلا "أجد نفسي على قدر كبير  من الفخر بهذا التأريخ الطويل والذهبي الذي أعطى لثقافتنا ومسرحنا العراقي الكثير الكثير، وبنفس الوقت أشعر بالألم وانا أرى أن محافظة ولمائة عام من المسرح وهي لا تمتلك قاعة مسرح حقيقي وبمواصفات احترافية يملك لهذه المساحة ان تكون منطلقا لعروض وتجارب وأسماء وسواها، هذا الأمر محزن جدا سببه تخلف الحكومات المحلية ما بعد 2003 وعدم ادراكها لأهمية الثقافة في حياة الناس".


فيما يرى المخرج والكاتب المسرحي حيدر عبدالله الشطري، أن "النشاط المسرحي في محافظة ذي قار وفي مدينة الناصرية بالأخص هو نشاط متجدد ومتحرك باتجاه مواكبة الحراك المسرحي المحلي والعربي من ناحية المبادرات الفردية والانجازات الشخصية التي يقوم بها الفنانون المسرحيون في المحافظة".


ويضيف الشطري، في حديثه لموقع  IQ NEWS"أما على المستوى الجمعي فإنه يحتاج الى الكثير من الدعم والمساندة لغرض ادامة التواصل مع عجلة المسرح العراقي التي تسير دوما الى الامام، ونحاول ان نجعل من هذا الاحتفال والنشاط الذي يمتد بفقراته خلال هذه السنة ان يكون جهدا جماعيا لنقابة الفنانين وبالتعاون مع فنانين مسرحيين مهمين في الوسط المسرحي لغرض تسليط الضوء على تاريخ المسرح في هذه المدينة العريقة التي عرفت المسرح منذ مائة عام وهي الى الان تصدر المبدعين الذين اضافوا للحركة المسرحية المحلية والعربية وحتى العالمية بالكثير من التجارب المهمة التي كان لها الحضور الواعي والمبدع على خارطة المسرح".


وكانت نقابة الفنانين  في ذي قار قد شكلت في يوم 2 شباط الجاري لجنة فنية بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لنشأة المسرح في الناصرية استجابة لمقترح قدمه المسرحي ياسر البراك يتضمن إعداد برنامج مسرحي يستمر لسنة كاملة.