"الحياة على المحك".. سدود السياسة تحجز المياه لجعها كسلعة مقايضة

بغداد -IQ/ عادل فاخر


منذ أن وجدت المياه في الأرض وهي حاجة أساسية للحياة، لكنها وضعت نصب أعين أصحاب القرار في الكثير من بقاع العالم، إلى درجة تسخيرها لتكون سلعة مربحة وأداة لخدمة أجندات سياسية، ما ينذر بمخاطر جمة لا تحمد عقباها، خاصة بالنسبة للدول الضعيفة. 


ياترى هل تغيرت دورة المياه في الطبيعة، كيف يروج الإعلام لهذه الفكرة؟ وما هي سبل كبح جماحها والتعاطي معها؟ وهل العالم أمام سياسات تعطيش متعمدة يتعين التصدي لها؟ وهل العراق قادر على الخروج سالما من هكذا وضع مائي معقد؟ 


سلعة في البورصات


كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية، وعضو هيئة التدريس في جامعة دهوك العراقية الدكتور رمضان حمزة محمد يقول، إن "دورة المياه أصبحت محصورة بين الدول التي تمتلك مصادر المياه كمثال دول المنبع والمصب، وبين الدول التي تمتلك القوة أو المال وبين الدول النامية التي لا تمتلك المال"، لافتا الى أن "ذلك يصعب التعامل مع مورد هو سر الوجود ويعد الأساس في بقاء وإستمرارية الحياة". 


ويقترح محمد في حديثه لموقع IQ NEWS "التعامل مع الدورة الجديدة للمياه من خلال العلاقات بين الدول بدلا من الدورة الطبيعية للمياه، وتحويل المياه من سلعة تتم المتاجرة بها في البورصات العالمية كأداة تستخدم في أجندات ساسية إلى حاجة أساسية إنسانية للحياة، خاصة وأن المشكلة ليس بتلوث البيئة، بل بتغيير منهجية دورة المياه".


ماذا عن العراق؟ 


يقول رئيس قسم بحوث المياه في المركز الوطني لإدارة الموارد المائية الدكتور أحمد إبراهيم، إن العراق يمكن أن يكتفي ذاتيا من المياه إذا ما إستطاع التغلب على أربعة تحديات رئيسية أولها جعل دول الجوار تقبل بحصص عادلة من المياه للعراق، خصوصا بعد إكتمالها لبناء السدود في أعالي الأنهر وبدء التحكم بالإيرادات المائية والجلوس المثمر إلى طاولة المفاوضات.


ويوضح إبراهيم في حديثه لموقع IQ NEWS، إن "العراق عليه التشغيل الأمثل وليس الأفضل للخزانات المائية، بما يخدم القطاعات المستخدمة للمياه في العراق وترشيد الإستهلاك وإستخدام التقنيات الحديثة في عمليات الري والإرشاد الزراعي في إستثمار الماء وزيادة إنتاجية الماء لتحقيق الأمن الغذائي في ضوء التوسع السكاني ولاحاجه إلى الغذاء".


ويلفت إبراهيم الى أن "التحدي الآخر في العراق يتمثل بعدم السماح للتجاوزات غير الشرعية على مجاري الأنهر، وكذلك الحصص المائية من قبل المتنفذين غير الشرعيين"، مؤكدا "أهمية مواجهة التغير المناخي وإتباع أساليب حديثة للتنبؤ بالأمطار من اجل تلافي هدر المياه في المناطق المزروعة".


فرض إتفاقيات 


ترى خبيرة المياه الدكتورة مها رشيد، أن العراق بحاجة إلى عقد إتفاقيات استراتيجية طويلة الأمد مع دول المنبع أو الدول المتشاطئة مع العراق، حيث يدعي الجانب التركي أن نهري دجلة والفرات هما نهران عابران للحدود وأن مايتم تصريفه إلى كل من العراق وسوريا يزيد عن حاجتها، مشيرة إلى أن تركيا لاتعترف بجميع مذكرات التفاهم التي أبرمت مع العراق في أوقات سابقة.


وتقول رشيد لموقع IQ NEWS، إن "إنشاء سد اليسو التركي على الحدود مع العراق أدى إلى تخفيض واردات نهر دجله، وهذا يتطلب أن يتم الإتفاق مع تركيا، الماء مقابل التبادل التجاري خاصة وأن البضاعة التركية تغزو الأسواق العراقية حاليا بشكل كبير، وهذا الحل الوحيد الذي يجعل تركيا تتنازل عن مساومتها على المياه، خاصة وأن الجانب الإيراني سبق وأن قام بقطع جميع الروافد التي تعذي نهر دجلة، والبالغة 45 رافدا"، مبينة أن "ذلك أفرز تأثيرا بيئيا كبيرا في المناطق الجنوبية ومنها شط العرب، مايعني أن العراق مضطر لقبول الشروط التي تفرضها الدول المتشاطئة، ولابد من اللجوء إلى المحافل الدولية للضغط على دول المنيع".


التعاون بدل التقاسم 


يرى رئيس جمعية السياسة المائية في تركيا دورسون يلدز، أن قضايا المياه لم تعد مسألة مشاركة بل أصبحت قضايا قاعدة تعاون إقليمي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وبدلا من تقاسم المياه يجب التركيز على نهج تعاون إقليمي مبتكر للمستقبل القريب في عموم المنطقة، وأن العلاقات بين العراق وتركيا ستكون في تقدم أسرع خلال الفترة المقبلة وربما في عموم المنطقة ومن المؤكد أن هذه العلاقات ستغطي أيضا قضايا المياه.


ويقول يلدز لموقع IQ NEWS، إن "عقد إتفاقيات لتقاسم المياه طويلة الأمد يتطلب تعاونًا استراتيجيًا أوثق في كثير من النواحي"، موضحا أن "تركيا قدمت مؤخرًا خطة تعاون في مجال المياه إلى العراق بما في ذلك إصلاح البنية التحتية للمياه، فضلا عن خطة تنفيذ أكثر كفاءة لاستخدام المياه".


ويؤكد يلدز، أن "وحدة الجهود بين الدول المتشاطئة مهمة أيضًا لتطوير التعاون المستدام". 


وردا على سؤال حول إمكانية أن تفرض تركيا شروطا على العراق إزاء توقيع إتفاق استراتيجي بين الجانبين، أوضح يلدز أن "تركيا تريد إنشاء نموذج تعاون مستدام في مجال المياه طالما هناك حاجة حقيقية للمياه في المنطقة، ولا أعتقد أن تركيا ستفرض شروطا أو مقايضة".


يذكر أن أنقرة تبنت رسميا فكرة "المياه مقابل النفط" إذ أكد فاتح يلدز السفير التركي في العراق في تصريحات صحفية بوقت سابق، أن "إمكانية توفير العراق النفط لتركيا في مقابل الحصول على المياه، هو نهج واقعي للغاية، سينعكس إيجابًا على السياسة المائية للبلدين وتطوير تبادل المنفعة بين أنقرة وبغداد".


لكن من الناحية القانونية الدولية، فأن النهرين يتمتعان بالصفة الدولية، وذلك حسب قواعد هلسنكي لاستخدام المياه والأنهار الدولية لعام (1966)، وكذلك حسب اتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية والدولية للأغراض غير الملاحية لعام (1997).