السرقات التاريخية للتراث العالمي.. كنوز العراق ومصر وسوريا في مهب الريح

بغداد - IQ  

تصدّرت المملكة المتحدة البريطانية في عدد المقتنيات الفنية الثمينة المسروقة من جميع أنحاء العالم، حيث يضم المتحف البريطاني وحده، أقدم متحف وطني عام في العالم، 8 ملايين قطعة أثرية من جميع أنحاء العالم، معظمها جُمع خلال الحقبة الاستعمارية، حيث تعد بريطانيا أكبر قوة استعمارية في العالم.

وتعرض العراق لموجة نهب واسعة، بعد الغزو الأمريكي والبريطاني للعاصمة بغداد عام 2003، حيث تم نهب 28 متحفا ومعرضا فنيا، بما في ذلك المتحف الوطني العراقي، الذي تعتبره "يونسكو" من أكبر المتاحف في العالم، في ما لا يزال عدد القطع النادرة التي سرقت من متاحف المحافظات في العراق، وخاصة في الشمال، غير معروف بدقة، رغم أن التقديرات تشير إلى أن العدد تجاوز 30 ألف قطعة أثرية.

وأكد عالم الآثار جون راسل، عام 2005 في حديث لصحيفة "إنترناشيونال هيرالد تريبيون" أنه، وفقا لحساباته، ربما تم تصدير ما بين 400 ألف و600 ألف قطعة أثرية بشكل غير قانوني من العراق بين مارس/آذار 2003 ومطلع 2005، وقد بلغت عائدات بيعها ما بين 10 ملايين و20 مليون دولار، وفقا لما نقلت عنه وسائل إعلام غربية.

وبحسب عالمي الآثار البريطانيين مارك الطويل وديفيد جيل، اللذين شهدا بنفسيهما سهولة الحصول على القطع الأثرية المسروقة، تم مصادرة آثار في المملكة المتحدة عام 2015، يعود أصلها إلى مناطق مزقتها الصراعات، ثم أُعيدت إلى السوق، بل أصبحت موضوعا للإعلانات.

وأكدا أنه منذ عام 2011 في سوريا، ومنذ عام 1990 في العراق، تم مصادرة عشرات الآلاف من القطع الأثرية الأصلية من هذين البلدين، بالإضافة إلى الكثير من النسخ الحديثة والمقلدة، في المنطقة وخارجها.

ووفقا لصحيفة "التايمز" البريطانية، صادرت الجمارك في عام 2011 شحنة مستوردة إلى المملكة المتحدة من الإمارات العربية المتحدة. وقد سُجلت هذه الشحنة في الوثائق على أنها "بلاطات طينية مصغرة مصنوعة يدويا" بقيمة معلنة تبلغ مئات الجنيهات الإسترلينية، ونُقلت المعروضات المكتشفة إلى المتحف البريطاني لتحديد قيمتها.

وأشارت إلى أن هذه القطع الأثرية نهبت عام 2003 ونُقلت من العراق إلى الإمارات العربية المتحدة. في آب/ أغسطس عام 2019، وأعاد المتحف البريطاني إلى العراق أكبر مجموعة من القطع الأثرية التي سرقت سابقا من البلاد ونٌقلت إلى المملكة المتحدة، حيث أقيم حفل نقل المعروضات في مقر إقامة السفير العراقي في لندن، وضمت المجموعة المنقولة 156 لوحا طينيا عليها كتابات مسمارية (بعضها نقش قبل أكثر من أربعة آلاف عام)، تمثل وثائق إدارية ورسائل ونصوصا مدرسية وحسابات رياضية، ويعود تاريخ معظم المعروضات إلى عامي 2100 و1800 قبل الميلاد، وهي من سلالة أور الثالثة أو سلالة بابل القديمة.

وفي عام 2019، أعلن متحف لندن أن القطع الأثرية القديمة من العراق وأفغانستان، التي هربت خلال عقود من الصراع العسكري، ستعاد إلى بلدانها الأصلية بعد تقييمها بشكل مناسب، ومن بين القطع الأثرية المهمة التي سترسل إلى العراق، 154 نصا من بلاد ما بين النهرين مكتوبة على ألواح طينية بالخط المسماري، أحد أقدم أنظمة الكتابة، تمت مصادرتها عند دخولها البلاد عام 2011. كتبت هذه الألواح بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد.

وبحسب وسائل إعلام، 200 كنز مفقود من العراق، يعرض في أسواق الآثار العالمية، ومن أثمن القطع الأثرية المفقودة في العراق تمثال "غوينول لبؤة" من العصر البابلي، يبلغ ارتفاعه 8 سنتيمترات (3.2 بوصة)، أو "لبؤة الشيطان" كما يعرف في العراق، بحسب ما أفاد المدير السابق لدائرة ترميم الآثار العراقية، مثنى عبد داود، الذي أوضح أنه واحد من تمثالين لأسد ولبوة يعود تاريخهما إلى حوالي 3000 قبل الميلاد، مؤكدا أن اللبة اختفت من السوق بعد بيعها في دار سوذبيز عام 2007. وتبين بعدها أن لورد بريطاني اشتراها بمبلغ 59.2 مليون دولار، والتي تعد أغلى قطعة أثرية بيعت على الإطلاق.

وفي أغسطس 2019، أعلن المتحف البريطاني أن مجموعة من الآثار عمرها 5000عام سرقت من موقع أثري في العراق عام 2003 بعد غزو العراق، ثم استولت عليها شرطة العاصمة من تاجر في لندن، ستعاد إلى المتحف الوطني في بغداد. من بين الكنوز المنهوبة أحجار أختام منحوتة وتميمة رخامية صغيرة على شكل ثور.


وعُرضت لوحة معبد سومري، لم تكن معروفة من قبل، يعود تاريخها إلى حوالي 2400 قبل الميلاد، للبيع في مايو/ أيار 2019 من قِبل دار المزادات الإلكترونية "تايم لاين"، التي وصفتها بأنها "لوحة أكادية من غرب آسيا" تنتمي إلى مجموعة خاصة شكلت في تسعينيات القرن الماضي. تعد هذه اللوحة بالغة الأهمية لدرجة أنه لو بِيعَت في السوق الرسمية، لكانت قيمتها عشرات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية. في سبتمبر/ أيلول 2020، أُعلن عن عودتها إلى موطنها الأصلي بمساعدة المتحف البريطاني.

مصر

تضم المجموعة المصرية في المتحف البريطاني أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، من التمائم الصغيرة إلى الملابس والمنسوجات، والمنحوتات الضخمة، المسروقة من مصر.

وتسعى مصر لاستعادة "حجر رشيد"، الذي يعد الغنيمة العسكرية البريطانية، حيث عثر ضابط من جيش نابليون بونابرت عام 1799 على لوح بازلتي، عمره أكثر من 2200 عام، بالقرب من ميناء رشيد. كُتب عليه النص نفسه بثلاث لغات: الهيروغليفية، والكتابة اليدوية من العصر المصري المتأخر، واليونانية القديمة.

واستغرق عالم اللغويات جان فرانسوا شامبليون، أكثر من 20 عاما لفك رموز الرسالة، ما مكنه من قراءة سجلات مصرية قديمة أخرى.

في البداية، أخرج نابليون الحجر من مصر، ولكن بعد هزيمة الفرنسيين في المعركة مع البريطانيين، اضطروا إلى تسليم حجر رشيد للجانب المنتصر في عام 1802، حيث نقلت إلى المتحف البريطاني، وقبل ذلك كانت تحمل نقشي "استولى عليها الجيش البريطاني في مصر عام 1801" و"مهداة من الملك جورج الثالث"، وأصبح الحجر جزءا من الهوية الوطنية البريطانية، إذ يسافر الكثيرون إلى لندن لمجرد رؤية هذا الكنز الأثري.

ويطالب المؤرخون المصريون بإعادة الحجر إلى موطنه، باعتبار أن قطعة رشيد الأثرية تعود ملكيتها إلى مصر، ونقلت حينذاك إلى إنجلترا في انتهاك للقوانين الأوروبية التي نصت على حماية القيم الثقافية للشعب.

كما سحب من مصر تمثال من الغرانيت لعنخوا، صانع السفن، من سقارة، نحت خلال عهد الأسرة الثالثة المصرية حوالي عام 2650 قبل الميلاد، وهو معروض في المتحف البريطاني. يضم المتحف أيضا تمثالا لآمون كبشا يحمي الملك طهارقة، ويعود تاريخه إلى عام 683 قبل الميلاد، وثلاثة تماثيل من الغرانيت الأسود للإلهة سخمت، يعود تاريخها إلى عام 1400 قبل الميلاد، وتوابيت خارجية مطلية بالذهب من مقبرة حنوت مت في طيبة، يعود تاريخها إلى عام 1250 قبل الميلاد، ومسلة من المرمر الأسود للملك نختنبو الثاني، يعود تاريخها إلى عام 350 قبل الميلاد.

كما يضم المتحف البريطاني قطعا أثرية حصل عليها المغامر الإيطالي جيوفاني بلزوني عام 1815، حيث وصل بلزوني إلى مصر، حيث قرر التوجه إلى مهنة، في رأيه، وعدته بربح فوري، وهو التنقيب عن مواقع دفن الفراعنة المصريين القديمة.

في القاهرة، التقى بالقنصل البريطاني السير هنري سولت، الذي اقترح عليه أن يمعن النظر في الآثار المصرية، أي أن يصبح وكيلا غير رسمي للحكومة البريطانية لاستخراج آثار الفن المصري القديم. أبرمت اتفاقية أصبح بموجبها بلزوني كموظف في المتحف البريطاني، وتعهد سولت بدفع أجره عن كل قطعة تعثر عليها وتنقل إلى لندن.

في عامي 1816 و1817، نظم بلزوني نقل جزء من تمثال "ممنون الصغير" - أحد تمثالين ضخمين من الجرانيت جالسين للفرعون رمسيس الثاني، كانا موجودين في الرامسيوم (المعبد الجنائزي لرمسيس الثاني في مقبرة طيبة) - إلى الإسكندرية، ثم إلى لندن. في عام 1817، أعلن المتحف البريطاني عن اقتنائه. ولا يزال جزء التمثال، المُقدّم على شكل رأس مغطى بغطاء نمس، مزيّن بالصل، والجزء العلوي من الجذع بدون الكتف الأيسر، معروضا في المتحف.

في وادي الملوك، جمع بلزوني كل ما وجده. كانت أهم اكتشافاته تمثالا محفوظا بشكل رائع للفرعون أمنحتب الثالث جالسا، منحوتا من الجرانيت الأسود، وتابوتا من المرمر يُصوّر الإلهة نيث في مقبرة الفرعون سيتي الأول. وقد حصل المتحف البريطاني على كلتا القطعتين الأثريتين. في معبد الكرنك، كسر بلزوني رأس تمثال ضخم لرمسيس الثاني، وأخذ منه مسلّات عدة، لنتهي به لاحقا، بجزء من التمثال في المتحف البريطاني.

وفي عام 1821، نظم بلزوني معرضا لجوائزه المصرية في لندن. وكان أبرز ما فيه معروضات من مقبرة سيتي الأول، وتمثال للإلهة سخمت برأس أسد، ومومياوات، وبرديات، وتماثيل من الفيوم. وبعد إغلاق المعرض، بيعت بعض معروضاته، وأُضيف جزء من مجموعة بلزوني إلى المعرض المصري بالمتحف البريطاني.

سوريا

في عام 2015، حذر خبراء الجرائم الفنية وعلماء الآثار، أن نحو 100 قطعة أثرية سورية نهبها تنظيم "داعش" الإرهابي ( المحظور في روسيا ودول عدة)، وقد تم تهريبها إلى المملكة المتحدة، وبيعها لجمع الأموال للتنظيم الإرهابي.

وبحسب صحيفة "التايمز"، تضمنت القطع الأثرية التي يعتقد أنها معروضة للبيع في لندن عملات بيزنطية ذهبية وفضية، بالإضافة إلى فخار وزجاج روماني بقيمة مئات الآلاف من الدولارات، وفقا لما ذكرته وسائل إعلام بريطانية.

في يوليو/ تموز عام 2015، بدأ عالم الآثار، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط من معهد الآثار في كلية لندن، مارك ألتافيل، البحث عن "آثار دموية" في وكالات لندن، واكتشف آثارا من أطلال تدمر ونمرود، عُرضت في المتاجر البريطانية.

وتعود هذه الاَثار إلى القرنين الثاني والرابع قبل الميلاد، بينها تمثال من العاج يعود تاريخه إلى حوالي 1500 قبل الميلاد، وعملة دمشقية سورية تعود إلى حوالي 500 قبل الميلاد، وهي معروضة للبيع على موقع "إيباي".

وفي عام 2016، بيعت قطعة أثرية سورية في لندن مقابل 50,000 جنيه إسترليني، وتعود إلى العصر البيزنطي في سوريا (القرنين الرابع والسابع الميلاديين)، وتمت سرقتها من موقع تنقيب في مدينة نوى جنوبي سوريا.

و بحسب خبراء، تصل قيمة المعروضات المسروقة من المتاحف السورية إلى مليارات الدولارات، مبينين أن التدفق الرئيسي لهذه المواد المهربة يتم عن طريق المناطق الحدودية، من شمال سوريا عبر تركيا، ومن الجنوب عبر الأردن والعراق ومن هناك، تُصدّر معظم هذه المقتنيات الثمينة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

وفي عام 2024، نجحت السلطات العمانية، بمشاركة روسيا، في إعادة الكنوز الأثرية التي سرقت من سوريا واستقرت في المتحف البريطاني. وقد سبقت إعادة هذه القطع مفاوضات استمرت أربع سنوات.

ووفقا للأمين العام للمتحف الوطني العماني، جمال بن حسن الموسوي، فإن هذه القطع تمثل مجموعة معمارية فريدة من نوعها ، كجدران معبد يهودي قديم تزن أطنانا، وقد نقل بشكل غير قانوني من المنطقة الواقعة شمالي سوريا على أجزاء. ثم حُفظ في المتحف البريطاني، ولكنه لم يُعرض للجمهور.