من الصدمة إلى الفضيحة.. تحالف عزم يترنح تحت ضغط الانشقاقات وتسريبات التمويل
- أمس, 20:52
- سياسة
- 331

بغداد - IQ
لم تمر سوى أيام على الانهيار المفاجئ لتحالف "العزم" في الأنبار، بعد انسحاب نصف مرشحيه والتحاقهم بحزب "تقدم"، حتى تفجرت فضيحة جديدة تهز ما تبقى من الثقة في هذا التحالف، وتلقي بظلال ثقيلة على المشهد الانتخابي المرتقب.
وثائق مسربة تكشف تمويلاً ضخماً لتحالف العزم وقائمة تفوق
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الأربعاء، مجموعة وثائق تشير إلى وجود شبهة فساد مالي تتعلق بتمويل الحملات الانتخابية لتحالف "العزم" الذي يتزعمه مثنى السامرائي، إلى جانب قائمة "تفوق" المرتبطة بوزير التربية إبراهيم النامس.
تفاوت كبير في توزيع التمويل بين المرشحين
كشفت الوثائق المسربة عن تخصيص مبالغ ضخمة لعدد من مرشحي القائمتين، وسط تفاوت واضح في حجم التمويل بين المرشحين في مختلف المحافظات، وبشكل خاص في محافظة الأنبار. وقد أثار هذا الكشف جدلاً واسعًا حول مدى نزاهة العملية الانتخابية والجهات التي تمول هذه الحملات.
أسماء ومبالغ بالأرقام: نهلة الفهداوي تتصدر بمليار دينار
وبحسب التسريبات، حصلت المرشحة نهلة الفهداوي على مليار دينار، فيما نال زياد ناجي عواد الهزيماوي 300 مليون، وأركان خلف طرموز المرعاوي 150 مليون. كما جرى تمويل أحمد نصر الله الفهداوي بمبلغ 200 مليون دينار، وفاروق تايه الجغيفي بـ100 مليون، أما عمر حامد الجميلي فبلغت حصته 87.5 مليون دينار.
في المقابل، لم يحصل بعض المرشحين إلا على مبالغ لا تتعدى 20 مليون دينار، مثل محمد خميس الجنابي، إيناس البيلاوي، نبراس العلياوي، وإيمان الكربولي، ما أثار استغراب المواطنين ودفعهم للتساؤل عن المعايير التي تحدد هذا التفاوت الكبير في التمويل.
هل استُخدمت وزارة التربية كصندوق انتخابي؟
اللافت أن أغلب التساؤلات انصبت حول دور وزير التربية وتحالف العزم في تدبير هذه الأموال. هل تم استخدام موارد الوزارة لخدمة الحملة الانتخابية؟ أم أن هناك عقودًا ومشاريع مالية عادت بالنفع على القائمين على هذه القوائم؟
المال السياسي يهدد مصداقية الانتخابات
الغموض الذي يحيط بمصدر هذه الأموال والتفاوت في توزيعها دفع كثيرين للتشكيك في نزاهة السباق الانتخابي، وسط مطالبات بفتح تحقيق رسمي يكشف ما يجري خلف الكواليس.
وفي هذا السياق، يحذر مختصون من أن تغول المال السياسي لا يقتصر على الترويج والدعاية فقط، بل يمتد ليشمل التأثير على إرادة الناخبين واختلال مبدأ العدالة في التنافس، خصوصًا مع وجود قوى تملك إمكانيات مالية هائلة تُوظف في شراء النفوذ واستغلال مؤسسات الدولة لدعم حملاتها.
في هذا الصدد، حذر المختص في مكافحة الفساد، سعد ياسين، من خطورة استغلال الموارد العامة والنفوذ الإداري في تمويل الحملات الانتخابية، معتبرًا ذلك خرقًا فاضحًا لقانون الانتخابات وتجاوزًا صارخًا على المال العام.
وقال ياسين في تصريح لـ(IQ): إن "قانون الانتخابات حدّد سقفًا ماليًا للحملات الدعائية، يتمثل في تخصيص مبلغ 250 دينارًا لكل ناخب ضمن الدائرة الانتخابية، مما يعني أن إجمالي تمويل القائمة يجب أن يُحتسب بناءً على عدد الناخبين دون تجاوز".
وأشار إلى أن "ما يجري على أرض الواقع يُظهر انفلاتًا في التمويل وتجاوزًا للسقف القانوني، من خلال استغلال مؤسسات الدولة والمال العام في الدعاية الانتخابية."
استغلال مؤسسات الدولة للدعاية السياسية
وأوضح أن "هناك نوعين من الترويج في الحملات: ترويج للقائمة ككل، وآخر يخص المرشح الفردي،" مؤكدًا أن "بعض الجهات السياسية تستخدم موارد الدولة في الدعاية، مثل خدمات الكهرباء، مشاريع التشجير، المتنزهات، وحتى برامج الرعاية الاجتماعية، وهو ما يُعد انتهاكًا واضحًا للقانون وتعليمات هيئة النزاهة."
وبيّن ياسين أن "بعض الكيانات السياسية توظّف منظمات غير حكومية ذات واجهات مدنية لتقديم مساعدات باسم العمل الخيري، لكنها في الواقع تعمل لخدمة أجندات انتخابية."
كما أشار إلى "حالات استغلال في الجامعات والوحدات العسكرية ومؤسسات الدولة الأخرى، من خلال جمع بطاقات الناخبين والتأثير على خياراتهم، مبينًا أن "سعر البطاقة الواحدة في السوق السوداء يصل إلى 100 ألف دينار".
وشدد ياسين على "ضرورة وجود رقابة صارمة ومساءلة قانونية تجاه مصادر تمويل الحملات، سواء كانت من أموال المرشح الخاصة أو من مصادر داخلية أو خارجية، مؤكدًا أهمية إخضاع هذه الأموال للتدقيق من قبل ديوان الرقابة المالية."
وطالب بـ "فرض عقوبات رادعة على الجهات التي تستغل المال العام، بما في ذلك إسقاط المرشح أو القائمة بالكامل في حال ثبوت الفساد المالي،" مشيرًا إلى أن "الاستمرار في هذا النهج سيحوّل العملية الانتخابية من تنافس ديمقراطي إلى "نهب منظم للمال العام".
وختم تصريحه بالقول: "ما نراه اليوم ليس سباقًا انتخابيًا نزيهًا، بل صراعًا مشوهًا تُستخدم فيه أدوات الدولة ومقدّراتها لخدمة أطراف سياسية، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه إذا كنا نطمح إلى انتخابات حرة ونزيهة."
تفاقم المال السياسي
وفي هذا الإطار، كشف الخبير الانتخابي وليد الزيدي عن تفاقم ظاهرة المال السياسي في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في عام 2025، مؤكداً أن هذه الظاهرة باتت تمثل التحدي الأكبر أمام نزاهة العملية الانتخابية وعدالتها.
وقال الزيدي في تصريح خاص لـ(IQ): "هناك فجوة واضحة بين القوى السياسية من حيث القدرة المالية، حيث تمتلك بعض الجهات إمكانيات ضخمة تُنفق على الحملات الانتخابية، وغالبًا ما يكون مصدر هذه الأموال مؤسسات الدولة نفسها، ما يؤشر إلى تورط في الفساد المالي والإداري".
وبيّن الزيدي أن "الأموال تُستخدم لشراء النفوذ والتأثير على إرادة الناخبين، مما يؤدي إلى فوز هذه القوى بعدد أكبر من المقاعد النيابية، وهو ما يُستثمر لاحقًا في تقاسم الوزارات ومؤسسات الدولة، تحت غطاء ما يُعرف بـ"الاستحقاق الانتخابي"، والذي وصفه بأنه "ليس استحقاقًا حقيقيًا بل نتاج مباشر للفساد".
وأضاف الزيدي: "شهدنا هذا النمط من الإنفاق السياسي في دورتي 2018 و2021، واليوم نشهد ضخًا أكبر للأموال في ظل غياب الضوابط الفعلية والرقابة الجدية".
وأكد أن "المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة"، مشددًا على "ضرورة وضع سقوف مالية ملزمة للحملات الانتخابية، تمنع الكتل والأحزاب من استغلال المال العام لصالحها."
وأشار الزيدي إلى أن "القوى الناشئة والمستقلة غير قادرة على مجاراة القوى التقليدية التي تدور في حلقة مغلقة من الفساد، حيث تُستخدم أموال الدولة للفوز، ومن ثم يعاد تدويرها في السلطة."

