لم يدعُ إلى تقسيم العراق.. مقال بايدن الشهير يعود إلى الواجهة

بغداد - IQ  


أعاد الصحفي العراقي، رياض محمد، ترجمة مقال قديم للرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، اقترح فيه آنذاك تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، ضمن العراق الاتحادي، وعاصمته بغداد، بالتزامن مع المخاوف المصحوبة لهذا المشروع بعد فوز الأخير بالانتخابات الأمريكية.


وفي مساء يوم أمس السبت، أعلن المرشح الديمقراطي جو بايدن فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بعد حصوله على 290 صوت.


وقال محمد، عبر جداريته على منصة فيسبوك، "سُئِلتُ 1000 مرة عن مخطط بايدن لتقسيم العراق"، مبينا أن "بايدن ليس لديه خطة لتقسيم العراق".


وأوضح، أنه "في عام 2006 كتب (بايدن) مقالاً في صحيفة النيويورك تايمز، اقترح فيه إنشاء 3 أقاليم ضمن العراق الاتحادي وتبقى بغداد مدينة اتحادية لينتهي العنف الطائفي"، مستدركا أن "بايدن أصبح نائب الرئيس عام 2009 وحتى عام 2017 ولم يقم بتقسيم العراق لأن ظروف الحرب الطائفية انتهت".


وتابع قائلا: "هذه الفكرة غير موجودة في عقل بايدن، بل موجودة في عقولكم أنتم ايها العراقيون".



أدناه الترجمة الكاملة لمقال بايدن، التي طرح فيها فكرة الأقاليم الثلاث، كما أوردها الصحفي رياض محمد:


الوحدة من خلال الحكم الذاتي في العراق

جو بايدن و ليزلي جيلب، الرئيسة الفخرية في مجلس العلاقات الخارجية

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية 

مايو (أيار) عام 2006


قبل عقد من الزمان أدَّى التطهير العرقي إلى تمزيق البوسنة وتهديد وجودها كدولة موحدة. وبعد كثيرٍ من التردد تدخلت الولايات المتحدة بحسم باتفاقية دايتون، التي حافظت على وحدة البلاد، ويا للمفارقة، من خلال تقسيمها إلى أنظمة فيدرالية عرقية، حتى أن الاتفاقية سمحت للمسلمين والكروات والصرب أن يحتفظ كل منهم بجيش منفصل. وبمساعدة القوات الأمريكية والقوات الأخرى، عاش البوسنيون عقدًا من الزمان في سلامٍ نسبي، وهم الآن يعملون تدريجيًّا على تعزيز حكومتهم المركزية المشتركة، وإحدى وسائل تعزيزها حل جيوشهم المنفصلة العام الماضي لتكوين جيش موحد لهم جميعًا.


اللامركزية للحفاظ على عراق مُوحد


إدارة بوش أتيحت لها فرصة مماثلة، على الرغم من سوء تقديرها الإستراتيجي العميق في العراق. وكان يتعين على أمريكا، لكي تنتهز تلك الفرصة، أن تتجاوز الخيارات الزائفة التي كانت مطروحة أمامها، ما بين "الاستمرار في مسارها الحالي" أو "إعادة القوات إلى الوطن الآن" واختيار طريق ثالث سوف يُقلِّص وجودها العسكري بموازاة منع اندلاع الفوضى والمحافظة على تحقيق أهدافها الأمنية الرئيسة هناك.


إن الفكرة، كما هو الحال في البوسنة، تهدف إلى الحفاظ على عراق موحد من خلال تطبيق اللامركزية في البلاد، ومنْحْ كل مجموعة عرقية دينية – الأكراد والعرب السنة والعرب الشيعة – مجالًا لإدارة شؤونهم الخاصة، بينما يُترك للحكومة المركزية مسؤولية إدارة المصالح المشتركة


يمكننا تحقيق ذلك بتقديم مغريات لا تُقَاوَم للسنة كي يلتحقوا بهذا الركب، من خلال وضع خطة لانسحاب القوات الأمريكية وإعادة انتشارها، وإبرام اتفاق إقليمي بعدم اعتداء.


بوش بدون استراتيجية


مأخذنا على الرئيس بوش أنه لا يمتلك استراتيجية لتحقيق النصر في العراق. فهو كان يرجو تجنب الهزيمة هناك، وتمرير المشكلة إلى من يخْلفُه في الرئاسة الأمريكية. وفي الوقت نفسه، تتزايد مشاعر الإحباط لدى الشعب الأمريكي بسرعة كبيرة جدًا لدرجة أن الأمر قد ينتهي بالكونجرس إلى فرض انسحاب سريع للقوات، حتى وإن أفضى ذلك إلى خطر الانزلاق في الفوضى والحرب الأهلية التي قد تتحول إلى حرب إقليمية.


طالما أن القوات الأمريكية تُوجد في العراق بأعداد كبيرة، فإننا لن نخسر الحرب هناك، كما لن يتمكن المتمردون من تحقيق الانتصار. لكن العنف الطائفي في البلاد أصبح أخطر من التمرد، وحل مكانه باعتباره التهديد الأمني الرئيس لنا. ذلك أن المليشيات المسلحة سيطرت على مساحات شاسعة من العراق، وتزهق كتائب الموت أرواح العشرات يوميَّا. وأجبر التطهير الطائفي مؤخرًا عشرات الآلاف من العراقيين على النزوح من بيوتهم. بالإضافة إلى ذلك لم يطلب الرئيس بوش مساعدة إضافية لإعادة الإعمار، بل قطع الدعم المالي المُقدَّم للجماعات التي تعمل على تعزيز الديمقراطية.


الخطة البديلة.. 5 عناصر


نرجح ألا تستطيع حكومة الوحدة الوطنية العراقية المؤلَّفة حديثًا (آنذاك) وقف التدهور؛ إذ شهد العراقيون خلال السنوات الثلاث المنصرمة (في ذلك الوقت) تشكيل ثلاث حكومات مماثلة، كل منها تقلَّدت فيه الطائفة السنية المناصب الرئيسة، لكنها لم تُؤثر تأثيرًا ملحوظًا


وهذا مسار بديل للخروج من هذا الفخ الفظيع يتكون من خمسة عناصر:


العنصر الأول: تشكيل ثلاث مناطق تتمتع بحكم ذاتي إلى حد كبير، إلى جانب حكومة مركزية تمتلك مقومات الاستمرار في بغداد. وأن تكون هذه المناطق الثلاث (الكردية والسنية والشيعية) مسؤولة عن وضع قوانينها المحلية وإدارة شؤونها وأمنها الداخلي، بينما ستكون الحكومة المركزية مسؤولة عن الدفاع عن الحدود وإدارة شؤون السياسات الخارجية والإشراف على عائدات النفط. فيما تُصبح بغداد منطقة فيدرالية، في حين أن المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة والمختلطة ستحظى بحماية الشرطة متعددة الطوائف، بالإضافة إلى الحماية الدولية.


إن اللامركزية ليست راديكالية كما قد تبدو؛ إذ إن الدستور العراقي في الواقع ينص بالفعل على تشكيل نظام فيدرالي، وفرض إجراءات يمكن من خلالها دمج الأقاليم في حكومات إقليمية.


النظام الفيدرالي وسيلة ناجعة


إلى جانب ذلك تتجه الأمور بالفعل باتجاه التقسيم: إذ تدعم كل طائفة على نحو متزايد النظام الفيدرالي ولو كملاذٍ أخير على الأقل. فالطائفة السنية، التي كانت حتى وقت قريب تعتقد أنها ستستعيد السلطة في العراق، بدأت تُدرك أنها لن تعيش ولا تريد البقاء في دولة شديدة المركزية تُسيطر عليها الطائفة الشيعية مع قوانين تفرضها الميليشيات الطائفية. أما الشيعة فيعلمون أنهم يستطيعون السيطرة على الحكومة، لكنهم لن يتمكنوا من دحر التمرد السني. في حين أن الأكراد لن يُفرطوا في مكاسب الحكم الذاتي التي حققوها على مدار 15 عامًا.


سيقول البعض إن السير باتجاه النزعة الإقليمية القوية سيُشعل فتيل التطهير العرقي الطائفي. لكن هذا بالضبط هو الوضع القائم على أرض الواقع حاليًا، وبموجات متزايدة وأكبر من أي وقت مضى. بينما سيدِّعي آخرون أن ذلك سيؤدي إلى التقسيم، لكن الانقسام قائم بالفعل. وكما حدث في البوسنة، فإن النظام الفيدرالي القوي هو وسيلة ناجعة لمنع وقوع كلا الخطرين في العراق.


العنصر الثاني: هو إغراء الطائفة السنية بالانضمام إلى النظام الفيدرالي من خلال تقديم عرض لا يُمكنهم رفضه. بادئ ذي بدء، يتعين أن يكون تولي زمام الأمور في منطقتهم بالنسبة لهم أفضل بكثير من البدائل الأخرى؛ إما بأن تكون منطقتهم تحت سيطرة الأكراد والشيعة في حكومة مركزية أو أن يُصبحوا الضحايا الأساسيين للحرب الأهلية في حال نشوبها. لكن أيضًا ينبغي منحهم المال الوفير لتحويل منطقتهم، التي تفتقر إلى الثروة النفطية، إلى منطقة قابلة لاستمرار الحياة فيها. لذا ينبغي تعديل الدستور العراقي ليؤمن لهذه المناطق السنية ما يقدر بـ20% من جميع إيرادات الثروة النفطية، وهو ما يُقارب نسبة سكان الطائفة السنية في البلاد.


العنصر الثالث: أن تكون الزيادة المقررة للمساعدات الأمريكية للعراق مرهونة بضمان حماية حقوق المرأة والأقليات العرقية والدينية. لكن توفير مثل هذه الحماية سيكون عسيرًا، لا سيما في المناطق الجنوبية التي يُسيطر عليها الشيعة، لكن يتعين على واشنطن أن تكون واضحة في أن أي انتهاكات واسعة النطاق ستؤدي إلى توقف التدفق النقدي.


العنصر الرابع: يجب على الرئيس بوش توجيه الجيش لوضع خطة انسحاب القوات الأمريكية من العراق وإعادة انتشارها اعتبارًا من عام 2008 (مع بقاء قوة صغيرة، لكنها مؤثرة في مكافحة الإرهابيين، والتأكد من التزام سكان الجوار بالاتفاق). ولابد أن نتجنب أيضًا تنفيذ انسحاب متسرع من شأنه أن يُؤدي إلى انهيار وطني، لكن لا يمكننا كذلك أن يكون لدينا في العراق وجودًا عسكريًا أمريكيًا ضخمًا طويل الأجل. إن ذلك قد يُلحق ضررًا فادحًا بقواتنا المسلحة، ويتهاوى معه الدعم الشعبي الأمريكي والعراقي للمهمة الأمريكية هناك، ويترك الشعب العراقي بدون أي حافز لتشكيل دولتهم.


العنصر الخامس: تحت مظلة دولية أو أممية، يجب أن نعقد مؤتمرًا إقليميًا للحصول على تعهدات من دول المنطقة باحترام حدود العراق ونظامه الفيدرالي. وبالرغم من كل ما قد تجنيه الدول المجاورة للعراق من فوائد نتيجة التعدي على مكونات هذا البلد، فإن كلًا منها سيواجه في الوقت نفسه خطرًا أكبر يتمثل في نشوب حرب إقليمية. ومن المقرر تشكيل (مجموعة اتصال) من القوى الكبرى لتُلزم الجيران بالامتثال للاتفاق.


تكريس اللامركزية لتحقيق التسوية


أنفق السيد بوش ثلاث سنوات في جهد لا طائل من ورائه لتأسيس حكومة مركزية قوية في بغداد، وتركنا دون التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية، بالإضافة إلى تدهور الوضع الأمني، ولم يتبقى لنا سوى بعض الخيارات السياسية الأكثر صعوبة.


إن الخطة البديلة المكونة من خمسة عناصر تُقدم مسارًا معقولًا لتلك التسوية السياسية الجوهرية بين العراقيين، إلى جانب الحوافز الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لإنجاح الحل السياسي. كما أن الخطة البديلة تُعد وسيلة معقولة للديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء لحماية مصالحنا الأمنية الأساسية وتكريم تضحيات بلادنا.