ملوك سومر تُبعَث في ورشة فنان فطري بذي قار.. (صور)

ذي قار- IQ  


في بيت بسيط ومتواضع وبعيد عن ضجيج المدينة، بمساحة محدودة، استغلها أحمد لورشته الصغيرة التي يقضي فيها أغلب وقته بحثا عن فكرة عالقة في رأسه أو عملا فنيا يسعى لعمله، لوضعه مع العشرات من القطع الفنية التي نحتها طوال سنوات والاحتفاظ بها في المنزل.


فضل أحمد حسن (38 عاما) وهو نحات فطري من مدينة الشطرة شمالي الناصرية، أن يكون بعيدا عن الأضواء والشهرة والانغماس في بناء نصب فنية خالدة ترى النور في مدينته التي لطالما حاول جاهدا أن يقدم لها أعمالا استثنائية لكنه واجه صعوبات كبيرة في صناعة اسمه وترميم المدينة بالأعمال الفنية التي تعبر عن هوية المدينة وحضارتها.



يعيش أحمد حياة هادئة بلا ضجيج، فهو يسعى لأن يكون بعيدا عن المدينة بعد أن اختار السكن في مكان يبعد عن مركز الشطرة حوالي 10 كيلومتر، في منطقة لا يتواجد فيها سكن لأنه طوال اليوم يعمل ويخرج بعض الأصوات من الأدوات الخاصة بالنحت وهو ما قد يسبب إحراجا لجيرانه من الأصوات العالية.


اكتشف أحمد نفسه أنه قادر على النحت قبل أكثر من 15 عاما، لكنه يبرر هذا السر بالشغف بالنحت كون جده لامه كان نحاتا فطريا معروفا آنذاك قبل أكثر من 60 سنة، حينما كان يصنع التماثيل الصغيرة للسائحين الأجانب الذين يأتون إلى الناصرية ويمرون بجده لشراء تلك التماثيل التي كانت نسخ مقلدة من الأثار السومرية القديمة.



ويقول أحمد خلال حديثه لموقع IQ NEWS، إنه "تمكن من عمل تماثيل نحت على الصخور وبعض المواد الأخرى في بداياته بالنحت والتي بدأتها بشغف في عمل منحوتات تقلد الأعمال الفنية القديمة لدرجة أنها كانت نسخة طبق الأصل منها ووجدت نفسي غارقا بالأثار والأعمال النحتية السومرية".


ويضيف، "في البدء لم أعرف تفاصيل النحت بما يتعلق بتقسيم الوجه والجسد حتى تعرفت على محمد خالد الرحال، وهو ابن النحات العراقي الشهير حتى تعلمت منه كيفية احتساب القياسات والنسب الأكاديمية في أي عمل نحتي أقوم بعمله، حينها وجدت نفسي قادرا على عمل أي نصب كبير وعملاق وبنسب أكاديمية دقيقة للغاية".


ولم يكمل أحمد دراسته، فكل ما وصل إليه من تعليم كان حتى الصف السادس الابتدائي، لكنه بدأ يتعلم لاحقا ووجد نفسه غارقا بالآثار والمنحوتات السومرية القديمة التي شاهدها في الكتب الآثارية، الأمر الذي دفعه للدخول بهذا المجال لتعلم النحت وتقليد الآثار الرافدينية القديمة.


ويوضح أحمد، أنه "يسعى من خلال أعماله بترسيخ ثقافة حب الأثار والاطلاع على الحضارة العراقية القديمة واكتشاف عوالمها، فهو يرى فيها إبداعا فنيا جعله ينحت التماثيل مثلما نحتها الفنان السومري القديم آنذاك وهي محاولة أيضا لإبراز هوية العراق من خلال آثاره وحضارته".


ورغم بساطة حياته وعمله كسائق شاحنة، إلا أنه تمكن من تقديم أعمالا فنية كبيرة وباهظة الثمن، قدمها مجانا في عدة مواقع في مدينة الشطرة والدواية والناصرية، تثمينا لمكانة تلك الأعمال الرمزية التي وضعها في أماكن وحدائق عدد من المدن، حيث تم نصب تمثالا لملك لكش كوديا وسط مدينة الدواية شرق الناصرية، فيما نصب آخر أعماله للملك أور نمو وكوديا في متحف الناصرية الحضاري.


يقول مدير متحف الناصرية الحضاري عامر عبدالرزاق، لموقع IQ NEWS، إن "النحات أحمد حسن من الفنانين المهمين بمحافظة ذي قار وقد قدم لمتحف الناصرية تمثالين نحتهما بمجهود شخصي، وهما للملك أور نمو والملك كوديا، بطول أكثر من 4 أمتار ووزن أكثر من خمسة طن للتمثال الواحد".


ويضيف عبد الرزاق، أن "قيمة هذين التمثالين كبيرة، لكن النحات أحمد قدمهما هدية لمتحف الناصرية بلا مقابل، اعتزازا بالمتحف وتقديرا للقيمة التاريخية للأثار بالمحافظة وهو شيء نادر أن يقدم نحات أعمالا ضخمة بهذا الحجم بشكل مجاني".



ويتطلع أحمد النحات كما يقول إلى إقامة تماثيل ونصب في كل مدينة بمحافظة ذي قار، تعبيرا عن حقبة تاريخية سومرية أو رمز سومري له علاقة بمحافظة ذي قار، لكن الخيبة تملأ وجهه بعد أن خذلته الكثير من الجهات الحكومية كما يؤكد، حتى إنه فضل العمل بشكل خاص.


يعتبر أحمد النحات من النحاتين القلائل بمحافظة ذي قار ممن يهتم بمجال نحت التماثيل المرتبطة بالحضارة السومرية والرافدينية القديمة بتفاصيلها الدقيقة والمتشعبة، وبقياسات الجسد المنحوت، كما يقول سعد عبد الكاظم وهو فنان من محافظة ذي قار لموقع  IQ NEWS.


ويضيف، عبد الكاظم أن "أحمد صاحب مبدأ ولا يؤمن بالدعم المادي أو الربح من أعماله بقدر أن يشاهد أعماله شاخصة وخالدة في مدينته، كما أنه يقدم أعمالا كبيرة وبلا أخطاء وبتفاصيل دقيقة تغيب عن النحاتين الشباب وهو ما يعطي السر في أن يكون عمله الفني مبهرا".


ويتابع، "يتلاعب أحمد ويحب استخدام حجر الديورانت والبازلت في العمل وبعض الصخور القوية الاخرى، كما أن لديه تمثالا أسمه الأم الينبوع وتمثال اللاعب وتماثيل صغيرة أخرى تتحدث عن موضوعات كثيرة ليست فقط الموضوعات المتعلقة بالفنون السومرية القديمة، لكن هذه الموهبة لم تحصل على فرصتها من الدعم الحكومي لاستثماره في إقامة بعض الأعمال والنصب في مواقع مهمة بداخل المحافظة".



ويوجد في ذي قار عدد كبير من النحاتين البارزين من المحافظة أبرزهم النحات المعروف عبد الرضا كشيش، الذي نحت تمثال السيد محمد الحبوبي، لكن القليل منهم ممن يشتغل في أعمال النصب والتماثيل العملاقة، إذ يكتفي الغالبية العظمى منهم في عمل منحوتات ومجسمات صغيرة مختلفة الأشكال.