تقرير: أطباء عراقيون "يصعقون" الموتى لتجنب طعنة سكين أو رشقة رصاص

بغداد - IQ  


كانت مريم علي قد دخلت لتوها إلى غرفة جراحة المخ والأعصاب عند عندما أمسك بها رجل ودفعها إلى الأرض ووضع سكيناً في ظهرها.

وأغلق حراس أمن المستشفى المنشأة واعتقلوا الرجل. تقول علي، كانت كاميرا الدوائر التلفزيونية المغلقة التي تغطي الجناح تعمل.


وقالت: "أتذكر أنني قلت إنني اعتقدت أنني سأموت". "كنت في حالة صدمة كاملة. لقد لعنت اليوم الذي أصبحت فيه طبيبة".


كانت علي، البالغة من العمر 27 عاماً، في السنة الثانية من إقامتها الطبية العليا في مستشفى غازي الحريري في بغداد عندما وقع الهجوم في يناير/كانون الثاني 2021. 


تم القبض على مهاجمها وسجنه، ولكن علي فكرت منذ ذلك الحين، مثل العديد من الأطباء العراقيين، في مغادرة البلاد.


وجدت دراسة استقصائية حديثة لأطباء بغداد أن 87% تعرضوا للعنف في الأشهر الستة السابقة. وقالت الأغلبية إنّ العنف ازداد منذ بداية الوباء، وإن ثلاثة أرباع الهجمات ارتكبها مرضى وعائلاتهم.


وتقول إنّ الرجل الذي هاجم علي كان لصاً كثيراً ما كان يسرق من المستشفى، في مثال على انعدام الأمن الذي يعانيه الأطباء العراقيون عبر مستويات عالية من العنف في العمل. وكانت هي وزميلاتها قد اشتكين من كسر قفل الغرفة عند الطلب في عدة مناسبات، لكن لم يقم أحد بإصلاحه.


في العراق، من المعتاد أن يتلقى المريض الدعم من الأصدقاء والعائلة، وأحياناً يصل إلى 15 شخصاً، عندما يأتون إلى المستشفيات. عندما لا يستطيع الطبيب علاج مريض يحتضر أو ينظر إليه على أنه ارتكب خطأ، يمكن أن تمتد التوترات إلى العنف.


يقول رياض لفتة، أستاذ علم الأوبئة في الجامعة المستنصرية في بغداد: "عندما يذهب المرضى إلى المستشفى ويكونون متوترين وقلقين بالفعل، يواجه الأطباء صعوبة في التعامل معهم. يصبح المرضى غاضبين، ويهاجمون".


ويعني التراخي الأمني أن هذه الهجمات يمكن أن تشمل أسلحة، حيث يمتلك حوالي 20% من المدنيين في العراق سلاحاً نارياً.


يقول لفتة: "الناس قلقون، وهم مسلحون، وهناك مشاكل في نظام الرعاية الصحية". كل هذه العوامل تساهم في تصعيد العنف".


ويتذكر لفتة شخصياً حادثتين قتل فيهما أطباء، وفي عام 2005 قتلت مجموعة من 10 أطباء في محافظة كربلاء جنوب بغداد.


ويقول لفتة إن العشائر التي تعمل في ظل النظام العشائري العراقي طورت طريقة جديدة للابتزاز. وهم يهددون الأطباء وعائلاتهم بسبب أخطاء، حقيقية أو ملفقة، مطالبين بـ "عقوبة عشائرية"، والذي شهد لفتة وصولها إلى 145 مليون دينار عراقي (82 ألف جنيه إسترليني). ويزعم أطباء آخرون أنهم شهدوا عقوبات تصل إلى 300 مليون دينار (168 ألف جنيه إسترليني).


يقول لفتة: "لسوء الحظ في العراق، يعرف معظم الناس أنّه يمكنهم الإفلات من العقاب". "عندما لا يكون هناك عقاب، يمكنك أن تفعل أي شيء تريده".


يقول جراح القلب عثمان قتيبة إن مثل هذه المشاكل دفعت الأطباء إلى الانغماس في "الأعمال الاستعراضية" - أداء أعمال طبية عديمة الفائدة على المرضى لمجرد استرضاء أفراد الأسرة. يقول قتيبة، 28 عاماً: "عندما ترى جثة ميتة وهناك 10 أشخاص يقفون بجانبك، فإنهم سيقتلونك إذا قلت إنّه ميت". "لذلك، أنت تعطيه صدمة DC [مع مزيل الرجفان]. ربما مرتين أو ثلاث أو أربع مرات. ربما 10 مرات.

"أنت تعرف أنّه خطأ، ولكن ماذا يجب أن تقول؟".


ويقول قتيبة إنّ زملاءه يفعلون ذلك يومياً. كما أنهم يتخذون تدابير احترازية، ويستدعون حراس الأمن عندما يتوقعون وفاة المريض.

ودفع العنف الأطباء إلى مغادرة البلاد بأعداد كبيرة. 


وجدت دراسة أجريت عام 2017 أن 77% من الأطباء المبتدئين كانوا يفكرون في الهجرة. وفي عام 2019، قال متحدث باسم وزارة الصحة العراقية إن 20 ألف شخص فعلوا ذلك بالفعل، وكان العنف سبباً رئيسياً.


يقول لفتة: "ليس فقط الشخص الذي يتعرض للعنف، ولكن أيضاً زملائه أو عائلته أو أصدقائه أو أقاربه. هذا معدي". "في السابق، كانت لدينا مشكلة مع "هجرة الأدمغة" - كانت بعض البلدان تستقبل الأطباء المهنيين. الآن تغيرت الظاهرة إلى "دفع الدماغ". نحن ندفع أدمغتنا خارج العراق بسبب العنف".


كما تدفع العقوبات والتهديدات القبلية الأطباء إلى تجنب العمليات الجراحية المعقدة، ويتجنب خريجو الطب الجدد المسارات الوظيفية عالية الخطورة مثل جراحة الأعصاب وطب الطوارئ. 


يقول قتيبة: "تخصصي، جراحة القلب، لديه معدل وفيات مرتفع". "لن يفعل ذلك أحد. وإذا فعلوا ذلك ومات المريض، فسيواجهون مشاكل".


ويقول إن الخريجين الراغبين في متابعة التخصصات عالية المخاطر يمكنهم الآن تسريع المسار من خلال تناوب الدراسات العليا لمدة عامين حيث تسعى الحكومة إلى معالجة النقص.


بعد إجراء جراحة في القلب، بدأ قتيبة في دفع مبالغ شهرية أعلى لعشيرته لدعمه إذا هاجمه شخص ما أو حاول ابتزازه بالمال.


حاولت الحكومة العراقية مكافحة المشكلة من خلال إدخال قانون حماية الأطباء في عام 2010، والذي سمح للأطباء بحمل المسدسات إلى العمل. ويعتبر لافتاً هذا الأمر سخيفاً لأنه يعتقد أن تصعيداً في ملكية الأسلحة النارية يقف وراء العنف في المقام الأول.


ويقول: "عندما يذهب المهاجمون إلى المستشفى، يكون لديهم بنادق آلية وهناك أربعة أو خمسة". "لا يستطيع الطبيب حماية نفسه بسلاح ناري صغير. لا يمكن أن يكون بنفس سرعة تلك العصابات".


فقط الأمن الشامل هو الذي سيساعد، كما يقول لفتة. عندما يحترم الناس القانون ويخافون منه، أعتقد أن هذا العنف سيختفي من تلقاء نفسه".


وتريد زهرة السوداني، طالبة الطب في الجامعة المستنصرية، تغيير الوضع الراهن. "أريد أن أساعد الناس. أريد تغيير شيء ما في العراق". "أريدها من قلبي".


من ناحية أخرى، فقدت علي الثقة في النظام بعد أن زارت عشيرة المعتدي عليها منزلها ليلاً للضغط عليها لسحب قضيتها. عادت إلى العمل لكنها تفكر في الهجرة. 


وتقول: "أنا قريبة جداً من عائلتي، ولا أعتقد أن الأمر يستحق العيش بمفردي بدونهم". هذا هو الشيء الوحيد الذي يوقفني".



الغارديان 

ترجمة: IQ NEWS