ركود الذهب.. صاغة ذي قار يشترون "القصص الحزينة" ويبيعون الفرح المكلف

ذي قار - IQ  

وقف هو وزوجته الحامل عند باب الصائغ مترددان، قبل أن يعقدا العزم على عرض مخشلات ذهبية صغيرة، بينها حلقة الزواج، ملفوفة بقطعة قماش بيضاء، بغية بيعها بسعر أعلى من الذي عُرِض عليهما.


يقول الصائغ، أبو غدير، إن الفضول دفعه لسؤال الشخصين، بعد معاينة القطع الذهبية، عن السبب الذي يدفعهما للبيع، والذي اتضح أنهما يؤمنان به الأموال التي يتطلبها إجراء عملية جراحة للولادة في مستشفى أهلي، ولم يجدا سبيلا غير هذا لتسديد المبلغ.


ويضيف أبو غدير (53 عاما) وهو صاحب محل لبيع الذهب في قضاء الشطرة، شمالي محافظة ذي قار، أن "هناك الكثير من الأحداث والقصص التي تصادف باعة الذهب، منها ما هو مؤلم ومنها ما يفرح القلب حينما يسد مشكلة ما وينهي موضوعا أو خلافا معينا"، مستدركا "في الغالب أشاهد الحزن على ملامح النساء كلما يبعن قطعة ذهبية خاصة بهن".


ويتحدث لموقع IQ NWES، قائلا: "قبل أيام زارني أحد الأشخاص وهو يقارب عمري دخل المحل وسأل عن أسعار الذهب كان يريد أن يبيع قطع ذهبية، أخبرني أن ولده تزوج حديثا وليس لديه أي عمل، تطوعت زوجته وباعت ذهبها حتى يشتري بها (ستوتة) ليعمل بها، لكن قيمة سعر الذهب لدي لا تكفي لشرائها، ظل يدمدم وحده وغادر".


ويرتبط الذهب بشكل عام في العراق، بالأحداث والقضايا والأزمات الإقتصادية، التي تحصل والتي تؤثر بشكل واضح على أسعاره، إذ يستغل الكثير من المواطنين فرصة صعود مثقال الذهب لبيعه بسعر جيد. وفي الوقت نفسه، يلجأ العديد من الأشخاص إلى بيع المخشلات الذهبية لحل قضية عاجلة، أو مشكلة ما.


"ظروف أربكت الحياة الاقتصادية"


وتعاني أسواق ذي قار بشكل عام من ركود اقتصادي، بسبب الوضع الاقتصادي الاستثنائي الذي تمر به المحافظة، الذي فاقم من أعداد البطالة، ورفع نسب الفقر، والعزوف عن الزواج، كل هذا أثر بصورة مباشرة على سوق الذهب في المحافظة.


إذ تشهد المحافظة احتجاجات مستمرة تمتد إلى احتجاجات تشرين الأول 2019، يتخللها أحيانا صدامات، أو قطع طرق وغيرها من الفعاليات، تبع لك اجتياح فيروس كورونا البلاد في شباط 2020، وما تبعه من إجراءات منع التجمعات وحظر التجوال، كل هذا أثر عن مناخ المحافظة الاقتصادي.


فخلال العامين الماضيين، شهد الذهب تراجعا كبيرا محليا وعالميا، يقول يحيى الغزي صاحب محل لبيع الذهب، لموقع IQ NWES، مضيفا أن "الظروف المحلية أربكت الحياة الاقتصادية بشكل واضح، فصعود الدولار زاد من سعر مثقال الذهب، بعد أن كان البيع بحدود 370 ألف دينار للمثقال، واليوم وصل بحدود الـ 450 ألف دينار وهو ارتفاع كبير وقياسي سبب إرباكا لنا نحن الباعة أيضا".


تؤكد هذا عناء عادل (49 عاما) التي ابتاعت الذهب لابنها مروان قبل أسابيع لخطوبته، تقول إن ذلك "قد كلفني الكثير مع صعود مثقال الذهب بهذا الشكل، فالأسعار كبيرة جدا مقارنة بالسنوات السابقة، حتى إنني سأحتاج وقتا طويلا لأدخر مبلغا جيدا لتزويج ابني الثاني، والإعداد جيدا بتخصيص مبالغ لشراء الذهب تحسبا لتصاعد مستمر بالذهب".


وتضيف عادل وهي موظفة حكومية لموقع IQ NWES، أن "الاهتمام بالذهب بالأعراس، عُرف اجتماعي قديم، لكونه يمثل ضمانا للمرأة، كما أن الحديث عن جمالياته، لا خلاف عليه، فضلا عن كونه مدخرات تحل الكثير من المشاكل التي تمر بالعائلة حينما تواجه ظرفا صعبا أو استثنائيا".


الربا ينهب "الزينة والخزينة"

كان بيع الذهب يرتبط عند النساء بمسألتي التجديد، أو الظرف الطارئ، يقول أحمد سعيد، صائغ ذهب، لكنه يرصد ظاهرة جديدة، إذ إن "بيع الذهب في الآونة الأخيرة يرتبط بمشاكل مالية مع دائنين يتعاملون بنظام "الربا"، التي ثقل العبء على المديون فيضطر إلى اللجوء إلى بيع ما توفر لديه من ذهب".


ويكمل، أن "الذهب بالنسبة للمرأة العراقية، ’’زينة وخزينة’’ وهو بمثابة الضمان لها، لكن لظروف تدفعها للبيع أحيانا"، مضيفا أن "الناس خلال المناسبات والأعراس يقدمون على شراء الذهب، وفي الخطوبة أيضا، وهذه العادات دأب عليها المجتمع منذ عقود".