معماريون مصريون يردون على انتقادات عراقيين بشأن جامع النوري

بغداد - IQ  


شهد حزيران 2017، ومع خسارة تنظيم داعش معقله في الموصل شمال العراق، تفجيرا دمر مسجد النوري ومئذنته الحدباء التاريخية، أحد أبرز المعالم التاريخية للمدينة ومحافظة نينوى.  


وبعد نحو 4 أعوام على تفجير التنظيم المتشدد المسجد، وفي وقت تستعد المدينة لإعادة بناء معلمها التاريخي، يسود الجدل حول مدى جودة التصميم ومناسبته للمدينة. 


في 2018، أعلنت الحكومة العراقية وهيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، عن نيتهما إطلاق مشروع لإعادة إحياء وترميم مدينة الموصل وخاصة مسجد النوري، وتم فتح باب المسابقة في أواخر العام الماضي.


وفي مطلع الأسبوع الجاري، أعلنت اليونسكو فوز مهندسين معماريّين مصريّين بالمسابقة الدولية لإعادة بناء مجمّع جامع النّوري. وقد اختير مشروع "حوار الأروقة" من بين 123 تصميما لإعادة بناء المجمع. 


وقال رئيس الفريق الفائز، صلاح الدين هريدي، في تصريحات لموقع "الحرة"، تابعها موقع IQNEWS، إن "المشروع لم يقتصر على إعادة وتطوير المسجد فقط، ولكن للمنطقة كاملة، مع إضافة أماكن تعليمية وثقافية للمسجد".


وشدد عضو فريق التصميم، خالد الديب، على أن "الفكرة الأساسية لمشروع "حوار الأروقة" تقوم على مبدأ التسامح والحوار، بعد تعرّض الموصل لأحداث قاسية جدا، وتقوم على الانفتاح مرة أخرى والعودة للحياة بسلام وتعايش".


وبحسب الأمم المتحدة، سيعمل المشروع الفائز على إدخال تحسينات ملحوظة على قاعة الصلاة، وذلك على صعيد استغلال الإضاءة الطبيعية وإيجاد أماكن واسعة مخصصة للنساء ولكبار الشخصيات، بحيث تتصل القاعة الرئيسية بمساحة مفتوحة نصف مغطاة، يمكن استخدامها كمكان للصلاة. كما يتضمن المشروع الفائز أيضا إنشاء حدائق مسوّرة تحاكي البيوت والحدائق التاريخية التي كانت قائمة حول قاعة الصلاة قبل تعديل تصميمها في عام 1944.


ويهدف المشروع أيضا إلى إنشاء مساحات جديدة مخصصة للمجتمع المحلي، لاستخدامها في إطار التعليم والأنشطة الاجتماعية والثقافية، ويخدم سكان الموصل بطرق تتجاوز وظيفته الدينية الرئيسية.


وكان العراق قد توصل إلى اتفاق مع دولة الإمارات، شهر أبريل الماضي، على إعادة إعمار جامع النوري والمنارة الحدباء برعاية اليونسكو، وأعلنت الإمارات حينها أنها ستساهم بـ50.4 مليون دولار من أصل 100 مليون، وهي التكلفة التقريبية للمشروع.


"تصميم خليجي"


فور نشر المشروع، تعرض لانتقادات شديدة من عراقيين، وأكدوا أن المشروع الفائز أغفل الحفاظ على المواقع الأثرية والتاريخية للمدينة، وقال بعضهم إن "هذه ليست الموصل بل الشارقة".


وردا على ذلك، قال هريدي إنه "في التصميم الجديد تم الحفاظ على الشكل الأثري للمسجد وخاماته، مشيرا إلى أن المسابقة ارتكزت على رسم تصميم يصور إعادة تطوير  منطقة المسجد وإضافة أماكن جديدة للصلاة، وتشييد أماكن تعليمية على قطعة أرض مجاورة للمسجد، مما يساهم في تحويله إلى مركز إشعاع حضاري تعليمي ثقافي وليس مسجدا فقط".


وأضاف أن "ما يشاهده الناس في الصور المنتشرة هو الجزء التعليمي الجديد في المشروع، المصمم بطريقة أكثر حداثة تتبنى أسلوب البناء الوظيفي، وهو ما سبب خلطا بين المباني التعليمية والمسجد لدى الكثيرين".


وأكد هريدي أن "المسجد باق بشكله القديم بمساراته وحجراته ما يظهر في التصميم، هو توسعة لمنطقة الصلاة الخارجية"، نافيا أن "يكون التصميم مأخوذا من أحد مساجد في منطقة الخليج".


من جانبه قال عضو الفريق، شريف فرج، إن مشروعات إعادة  إحياء التراث تتضمن الحفاظ على السمات الرئيسية للمبنى في فترات سابقة مع إضافة بعض السمات الجديدة التي تناسب احتياجات الجديدة للبشر والتي تتطور مع تطور المجتمع واحتياجاتهم الاجتماعية.


وقال فرج "لاشك أن المجتمع العراقي تطورت احتياجاته من القرن الماضي إلى القرن الحالي، والصورة التي يطالب الناس بإعادة المسجد لها قد لا تكون الصورة الحقيقة للمسجد النوري الكبير عند إنشائه عام 1172".


وأضاف "تفهمنا الجذور التاريخية والحضارية والثقافية والاجتماعية للمسجد، وبناء عليه تدخلنا كان تدخل جراحي للمبنى، كان علينا أن نعيد المبنى كما كان من قبل مع تعديل أي سلبيات كانت موجودة في الماضي".


وتابع "تدخلنا كان معقدا وصعبا، لكي نحسن من جودة المكان، بطريقة يمكن أن تعيد القصة للأشخاص الذين كانوا يعيشون فيها، دون أن نخلّ أو نضع أثرا سلبيا يذكرهم بأحداث أليمة حدثت في المنطقة".


وأوضح فرج أن "الشكل الخارجي للمسجد الذي تعود عليه الناس حاليا ليس الشكل الأصلي للمسجد الذي بني عام 1172, فقد تم تطويره عام 1944 بإضافة 4 مآذن جديدة لمأذنته الحدباء الشهيرة".


"العراقيون أولى"


واجهت اليونسكو انتقادات باختيار مهندسين غير عراقيين لترميم الموقع، ومصممين لم يقوموا بزيارة ميدانية واحدة للمكان.


وتعليقا على هذه الانتقادات، قال فرج "جميعا عرب نشترك في الثقافة وفي كثير من التفاصيل والأحداث، وتجمعنا لغة واحدة واحتياجات متقاربة ومتشابهة، ولدينا تفهم للحالة في العراق، كما أن العمارة الإسلامية في مصر وسوريا والعراق كانت متقاربة".


وأضاف هريدي أن الفريق "شاهد الكثير من الأفلام والصور عن المسجد، وقرأ الكثير عنه قبل التوصل لتصميم الحالي"، مشيرا إلى أن "المصريين ليسوا ببعدين عن العراق فالكثير منهم لديهم أصدقاء وأقارب عاشوا بالعراق وعملوا بها".


ولفت ألى أن "أعضاء الفريق توصلوا مع أصدقاء له عاشوا في العراق، للتعرف أكثر على البيئة العراقية".


بدوره، ذكر المهندس طارق علي، عضو الفريق، أنهم "كانوا على صلة بالموصليين وحاولوا التعرف على يريدونه في التصميم وأهدافهم من المسابقة، مشيرا إلى أن ذلك كان له دور كبير في الكثير من القرارات الحاسمة في التصميم".


وأوضح أنهم "أخذوا في عين الاعتبار بعض الانتقادات، التي وجها أهل الموصل لبعض أجزاء المسابقة".


كما أعرب شريف عن أملهم في "تنظيم حوار مجتمعي مع أهل الموصل حول التصميم الجديد، والاستفادة من تعليقاتهم"، مشيرا إلى أن "المشروع في مراحله الأولى والمطروح هو الفكرة الرئيسية للمشروع".


أما سبب تسمية المشروع ب"حوار الأفنية" أو "حوار الأروقة"، فمرده إلى أن التصميم يعتمد على الأفنية الموصلية التقليدية التي تتجه للداخل وهو ما يوفر لها التهوية والإضاءة المناسبة.


بحسب اليونسكو، سيعدّ المهندسون تصميماً أكثر تفصيلا لمشروع إعادة بناء مجمع جامع النوري، المزمع استهلاله في أواخر خريف عام 2021.


وقال صلاح أنه "من المفترض أن يبدأ العمل في نهايات العام الجاري، مشيرا إلى أن مشروعات إعادة إحياء التراث تستغرق وقتا طويلا، ويعتقد أنه من الممكن الانتهاء من المشروع في خلال عامين".


وأشار صلاح إلى أن "فريق العمل لديه خبرة كبيرة في التعامل مع التراث، ليس فقط على الجانب العلمي ولكن أيضا على الجانب الأخلاقي".