سندباد والبهارات والتوابل.. رحلة مع مشجعين خليجيين في البصرة

بغداد - IQ  

تقول الأسطورة في حكايات ألف ليلة وليلة الشعبية أن بحاراً بغدادياً اسمه سندباد انطلق من البصرة ليجوب العالم ونجا من مصاعب وأهوال عدة. وها هي المدينة الجنوبية العراقية تسعى من خلال استضافة كأس الخليج لكرة القدم، للعودة إلى خريطة السياحة بعد سنوات عجاف.


وتوافد عشرات الآلاف من المشجعين من دول مجلس التعاون الخليجي إلى المدينة الجنوبية لحضور النسخة الخامسة والعشرين من البطولة الإقليمية التي تستمر حتى 19 يناير الحالي.


وتعيش البصرة المعروفة بثرواتها النفطية ودفعها فواتير الحروب، مظاهر وكرنفالات اجتماعية وتراثية غير مسبوقة، بعدما حرمتها منها حرب الخليج الثانية التي تلت غزو الكويت من قبل النظام العراقي السابق والحروب المتتالية التي شهدها العراق بعد التدخل الأميركي وسقوط النظام.


تلك التوترات السياسية والحروب العسكرية أقصت المنتخب العراقي من بطولة كأس الخليج بعد ما كان واحداً من أركانها التنافسية التقليدية.


ومع عودة البطولة إلى "بلاد الرافدين" للمرة الأولى منذ العام 1979، شكّل مشجعو الكويت والبحرين النسبة الأكبر من الزائرين إلى جانب السعودية وسلطنة عمان، واتخذوا من شارع الكورنيش الشهير المطل على ضفاف شطّ العرب مكاناً مفضلاً لتجمعات تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل.


يقول السعودي، خالد الحركان (30 عاماً)، الذي جاء إلى البصرة مع 150 مشجعاً لمؤازرة منتخب "الأخضر" قبل أن يودّع البطولة "تفاجأنا فعلاً بسحر هذا المكان الجميل الاستثنائي (...) فعلاً إنها متعة سياحية".


ويضيف الحركان وهو يقف قرب مجسم شخصية السندباد البحري تعويذة خليجي 25، "قدمنا إلى هذه المدينة الرائعة عن طريق الكويت، نتمنى أن نعود الى البصرة المدينة الجميلة مرة ثانية وما فاجأنا اكثر حفاوة العراقيين لنا، في كل مكان هنا حكاية وهذا السندباد يعيد إلى الذاكرة قصصاً جميلة أيضاً كان هو بطلها".


واعتمدت اللجنة المنظمة للبطولة السندباد تعويذة ونصب في شارع الكورنيش مجسم كبير لها، يجتمع حولها المئات من المشجعين طوال ساعات النهار لالتقاط الصور التذكارية.


صورة البلاد الحقيقية

عادت إلى الواجهة صورة العراق التي يريد أبناؤه إظهارها. صورة بدر شاكر السياب أحد أبرز رواد الشعر الحر في العالم العربي، وشارع الفراهيدي توأم شارع المتنبّي في بغداد الذي يجمع الموروث الأدبي للمدينة الجنوبية.


ينكبّ المشجعون أيضاً على زيارة متحف البصرة الحضاري الذي افتتح في العام 2016 ويتخذ من أحد القصور الرئاسية الفخمة التي بنيت في عهد صدام حسين.


يقول الإداري في المتحف، حيدر الحلفي، لفرانس برس إنه "منذ انطلاق بطولة خليجي 25 نستقبل مئات الزائرين يومياً من دول الخليج" للوقوف على الطراز العمراني الزخرفي الذي يعود عميقاً في التاريخ.


في إحدى القاعات، يتجوّل العُماني عبد الله النعيمي منبهراً بما يراه من آثار. ويقول الثلاثيني لفرانس برس: "أشعر كأن العراق ببعده التاريخي يحضر الآن في قاعات العرض هذه من جديد، هذا هو العراق الحقيقي الذي كنا نسمع عن عمقه التاريخي. أعتقد أن بطولة كأس الخليج العربي أتاحت لنا فرصة ثمينة".


وفي قاعة أخرى خصصت لعرض قطع نقدية تعود إلى العصر البابلي وتماثيل فخارية، راح الإماراتي، أحمد الكعبي، يتفحصها عبر عدسات مكبرة متحركة وضعت على واجهة العرض الزجاجية.


يقول المهندس الكعبي (35 عاماً) والذي يزور البصرة للمرة الأولى "في السابق كنا نقرأ عن تلك الآثار من خلال الكتب، أما اليوم نتلمسها عن قرب، هذا واحد من الأماكن الممتعة (...) وسيدفعنا لزيارات أخرى في المستقبل".


وللمفارقة، فإنه بسبب الحركة التجارية البحرية، عرفت أسواق تجارية في المدينة بأسماء دول كانت مصدراً لإيصال السلع والبضائع إليها مثل سوق الكويت، وسوق الهنود المخصص للبهارات والتوابل والشاي. ولكن لم يتبقَ من تلك الأسواق غير أسمائها.


خدمات فندقية رديئة

لكن رغم المتعة، تبقى السلبيات حاضرة على الصعيد الخدمي، إذ عانى المشجعون من مشاكل الوصول إلى ملاعب المباريات لعدم توفير السلطات المحلية واللجنة المنظمة باصات لنقلهم إلى الملاعب.


وتتسبب الازدحامات باختناقات مرورية يومية في شوارع المدينة نتيجة تردي مستوى الخدمات، وشبكات الطرقات التي عفا عليها الزمن.


يقول خيري حبيب (33 عاماً)، وهو أحد المشجعين الآتين من العاصمة بغداد رفقة مجموعة من أصدقائه لفرانس برس، "للأسف الشديد لم تتوفر خلال البطولة وسائل نقل المشجعين إلى الملاعب. نضطر لأخذ باصات أجرة يستغرق وصولها إلى الملعب ساعات عدة".


ويضيف: "بطولة كأس العالم في قطر انتهت قبل فترة قصيرة وليس من باب المقارنة، لكن هناك تجارب يفترض أن تهتم بها اللجنة المنظمة والحكومة المحلية في البصرة. لا نطلب قطارات حديثة ومترو بل نريد باصات تنطلق بانتظام وهذا غير متوفر".


وعانى عدد من المشجعين أيضاً من قلة الفنادق الحديثة الملائمة للإقامة طيلة فترة البطولة، فضلاً عن ارتفاع أسعار الإقامة حيث بلغت كلفة الليلة الواحدة بين 250 و400 دولار.


أدى ذلك إلى اضطرار أعداد كبيرة من المشجعين، خصوصاً القادمين من البحرين والإمارات، للسفر إلى محافظتي كربلاء والنجف جنوب البلاد والعودة في يوم المباريات إلى البصرة لعدم وجود فنادق كافية، وفق إحدى الشركات السياحية.



فرانس برس