"أبهر الأميركيين وأقصته الحسبة والأتراك كرموه".. عاشق المرور يتحدث لـIQ

نينوى - IQ  


عادة تكون المسافة بين سائقي السيارات ورجال المرور محكومة بالصرامة في الالتزام بقوانين السيّر، والمخالف جزاؤه غرامة أو تُحجز سيارته حسب نوع المخالفة دون هامش تسامحي لجهة الخطر الذي قد يتعرض له المارة أو السيارات الأخرى جراء تهور سائق ما، وباتت تلازمية المخالف الرقيب تحكم العلاقة بين السائقين وبين رجال المرور.


لكن في الأيام القليلة الماضية، تعرّف العراقيون في مواقع التواصل الاجتماعي على رجل مرور في محافظة نينوى مختلف نوعاً ما، إذ ظهر الأخير في صور وهو ينظم السير بطريقة مختلفة حتى بدا وكأنه قائد اوركسترا.


محمد عيد ياسين، الذي يرتدى بدلته البيضاء منذ سبعينيات القرن الماضي، والعاشق لمهنته التي لم يتركها حتى عندما هاجر إلى تركيا المجاورة بعد سيطرة تنظيم داعش على محافظته فأخذ ينظم السير هناك طواعية ولئلا يشعر باختلاف نمط حياته فكرمه المسؤولون الأتراك، تحدث لموقع IQNEWS عن نفسه وحياته.




يقول ياسين، وهو من مواليد 1956، إنه دخل سلك المرور في منتصف السبعينيات، وبقيَ يخدم في عموم محافظة نينوى حتى عرف شوارعها وحفظ الكثير من السكان شكله.


"حسبة داعش أخذت مكانه"


"حب المهنة والإخلاص في العمل وخدمة المجتمع شيء كبير، شعرت بطعمه ولذته من مهنتي في تنظيم السير، فكنت أسعى دائماً إلى ضبط حركة الشارع ليبدو مثل ساعة (بك بن) البريطانية.. كل سنوات خدمتي مرّت عليّ كأنها أيام أو شهر"، هكذا يقول رجل المرور محمد عيد ياسين، مشيراً إلى أنه عندما وصل إلى سن التقاعد عام 2015 لم يبالِ بذلك وعاد سريعاً إلى تنظيم السير "لكن هذه المرّة ليس في شوارع نينوى، بل في تركيا".


عندما اجتاح تنظيم داعش محافظة نينوى صيف 2014 وانطلق منها ليحتل محافظات أخرى وصولاً إلى تخوم العاصمة بغداد، نزح محمد عيد ياسين إلى تركيا آخذا معه حبه لمهنته، بعدما أخذت "سيارات الحسبة" التابعة لتنظيم داعش تجوب شوارع الموصل لتوفيق حركة المواطنين مع قوانين وشرعة التنظيم المتطرف، وإلا فالغرامة ستكون قطع يد أو رأس أو جلد أمام مرأى العامة.


في السنوات التي قضاها ياسين في تركيا كان يرتدي ملابس المرور وينزل إلى شوارع الحي الذي يسكن فيه وكذلك الأسواق لينظم حركة سير المركبات "طوعية وحباً بمهنة المرور"، بينما ساعدته اللغة التركمانية التي يجيدها في ترك أثر على السائقين والمارة الذين عشقو حركاته الفريدة وهو يعطيهم إشارات بالتحرك أو التوقف، ليحظى لاحقاً بتكريم رسمي من المسؤولين الأتراك.



بعد دخول القوات الأميركية إلى العراق وإطاحتها بنظام صدام حسين عام 2003، وبينما كان رتلاً عسكرياً أميركياً يسير عكس اتجاه السير في شارع "الجامعة" بينوى، ضبط رجل المرور محمد عيد ياسين هذه المخالفة، فتوقف أمام الرتل وأشر له بالعودة إلى التقاطع والقدوم من الاتجاه الصحيح، وهو ما فعله الرتل الأميركي فعلاً.

"بعد أيام استدعاني مدير دائرة المرور التي انتسب لها وكان هناك مسؤولين محليين وأميركيين وأشاد بحسن انضباطي وسيطرتي على الشارع"  يقول ياسين.

يومياً يستقيظ هذا الرجل في الصباح الباكر وينطلق إلى شوارع قضاء تلعفر في محافظة نينوى لينظم السير ويتعاون مع بقية رجال المرور الذين لا يزالون في المهنة والذين يُطلقون على محمد عيد ياسين لقب "العميد" إكباراً له.



من جانبه، يشيد مدير مرور نينوى العميد سامي عبد الخالق بالمنتسب المتقاعد محمد عيد ياسين، واصفاً إياه في حديث لموقع IQNEWS، بـأنه "نموذج فريد من نوعه بين رجال المرور الذين يعشقون عملهم".


ويضيف عبد الخالق أن "مديرية مرور نينوى تقدم لياسين كل التسهيلات وهو يساعد زملائه في قضاء تلعفر، كما قمنا بتكريمه للجهود التي يقوم بها"، مشيراً إلى "تميزه بالالتزام والحركات المرورية التي يتفرد باداءها، وأحبه الناس بسببها".


بدوره، يقول رياض محمود، جار رجل المرور محمد عيد ياسين، إن جاره يجلس في الصباح الباكر بكامل ملابسه "قميص أبيض وبنطال أسود وقبعة تحمل شارة المرور فوق رأسه، وبيده علامات تنظيم السير التي يستخدمها، ثم يبقى في الشارع لساعات متأخرة مستخدماً حركات بهلوانية جميلة.. الجميع يحبه ويحترمه سواءً من رجال المرور أو سائقي السيارات".