"نواجه العادات والأعراف بعد رحيل الأزواج"

"أم عماد" تجمع أرامل نينوى في منزلها: "مذاق الموصل" يُدار بـ25 امرأة وسائقة دليفري

بغداد - IQ  


تبدأ مهيه أدهام يوسف، والمعروفة وسط المجتمع الموصلي بـ(أم عماد)، صباحها وسط ضجيج يبعث في نفسها طمأنينة دائمة، هو ضجيج أكثر من 25 امرأة موصلية يجتمعن في منزلها الذي حولته إلى مطبخ تصنع فيه الأكلات الموصلية وتبيعها على العوائل في محافظة نينوى، حيث تبدأ تلك النساء صباح كل يوم بعمل دؤوب على صنع الكبة الموصلية الشهيرة، وأكلات موصلية أخرى بدأت عائلات الموصل نسيانها، لكن أم عماد وزميلاتها أعادت تلك الأكلات إلى الذاكرة والمائدة.

مذاق الموصل

فقدت أم عماد اثنين من أبنائها في الحرب على تنظيم "داعش" في الموصل وتوفي زوجها أيضاً، وبرحيلهم جميعاً "توقفت الحياة"، حسب ما تصفه في حديثها لموقع IQ NEWS، لكنها مثل العديد من نساء الموصل الباحثات عن فرص عمل، بحثت عن فرصتها في وقت كانت هذه الفرص أكثر من نادرة، فقررت الارملة البالغة من العمر 56 عاما، على الفور تحويل منزلها لمطبخ صغير، اسمته "مذاق الموصل" تبيع منه الأطعمة الجاهزة على العائلات، وعينت أرامل ونساء أخريات للعمل معها، وبدأت المطبخ بعاملتين فقط كخطوة البداية نحو مشروع أكبر خاص بإحياء التراث الموصلي والاكلات التي بدأت شريحة كبيرة من الاهالي بنسيان طعمها المميز.


تقول أم عماد إن "المجتمع بطبيعته لا يرحم، ويكسر المرأة الضعيفة، لكن علينا نحن النساء أن نتسلّح بالقوة لمواجهة التحديات والعادات والأعراف التي تقلّل من شأننا"، وتؤكد بأن "المرأة التي تهزّ المهد بيمينها قادرة على هزّ العالم بيسارها".

اكلات تراثية

وتعمل ام عماد مع فريقها على اعادة الاكلات التراثية الى المائدة الموصلية ومنها "كبة بالدق"، "العروك"، "يبرغ مفلش"، "الهندية" (وتصنع بوقت الربيع فقط)، "الزبيبية" (وتطبخ في المناسبات ولا تعرفها المحافظات ماعدا الموصل وتتكون من الدبس ولحم صغار الخراف والمشمش المجفف وعدد من الفواكه المجففة والتين والزبيب والجوز)، و"كبة الجريش الصغيرة" التي يصل حجمها احيانا لحجم معجنات الكليجة.

وتضيف ام عماد "بدأنا بنساء تطبخ الاكلات العادية الى ان وصلن الى مستوى الشيف وهن يقدمن الان دورات تدريبية للمنظمات".


وتفكر ام عماد بتطوير المأكولات الى ابعد من المطبخ الموصلي وصولا الى المطابخ العراقية الاخرى.



وتعمل النساء في "مذاق الموصل" لفترتين، الأولى تكون من الساعة الثامنة صباحا لغاية الثالثة عصرا، والثانية من الثالثة عصرا لغاية العاشرة ليلا، ولا توجد اعمار معينة لاختيار النساء لعاملات في مطبخ أم عماد، فيما يتقاضين من 8 إلى 17 دولارا أميركيا.

الديليفري "امرأة"

ام عماد الحاصلة على دبلوم معهد التعليم العالي، نجحت في تحقيق حلمها القائم على ادارة مطعم بكادر نسائي كامل وحتى عامل التوصيل امرأة هي مكارم هشام.


وتبدأ مكارم هشام (47 عاما) صباح كل يوم رحلة جديدة في شوارع نينوى، لإيصال الأكلات الجاهزة إلى المنازل، والانفاق على أسرتها بعد مقتل زوجها على يد مسلحين قبل نحو 17 عاما بعد ان اضطرتها الظروف المعيشية الصعبة الى العمل كسائق توصيل ومجاراة السيارات الاخرى وسباقها في الشوارع.

وتعمل مكارم منذ ثلاثة اعوام لأكثر من 8 ساعات يوميا في مطعم "مذاق الموصل" وتتقاضى ما بين 2 إلى 4 دولارات لكل خدمة توصيل إلى المنازل.


مكارم حملت لقب أوّل سائقة توصيل "دليفري" في نينوى وتجتهد لإعالة ولديها (22 و17 سنة) وايضا كسر القيود الاجتماعية التي تحكم على المرأة أن تبقى أسيرة المنزل وتحرمها الانخراط في سوق العمل كما تقول واحتكار جميع المهن للرجال باستثناء بعض الوظائف الحكومية حيث تتشارك مع ام عماد في هذه الفكرة والهدف.

أرامل الموصل

ورغم عدم وجود أي إحصائيات دقيقة بأعداد الأرامل والمطلقات في الموصل، فإن تقارير صحفية سابقة ذكرت أن أعدادهن يُقدّر بنحو 45 ألف أرملة ومطلقة في المدينة، 23 ألفا منهن يتسلمن راتبا تقاعديا، في حين هناك 22 ألفا لم يحصلن على حقوقهن ويعشن في أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة بعد سيطرة داعش على المدينة عام 2014 والعمليات العسكرية التي أدت إلى تحريرها في 2017، مع وجود فئة أخرى لم يتم تسجيلها في قاعدة البيانات الحكومية ويصل عددهن من 5 آلاف إلى 10 آلاف امرأة.