"الجثث شُرحت" وقانوني: هذه عقوبة المهاجمين

حادثة جبلة.. "أب حنون على بناته بشدة" اتهم بـ"الإرهاب": من أفنى عائلة "الغريري"؟

بغداد - IQ  

رسمت المعلومات الجديدة مشهداً مأساوياً لحادثة مقتل شخص و19 من عائلته، بينهم أطفال ونساء، في ناحية جبلة شمالي بابل مساء الخميس الماضي، والتي عدّها الرأي العام "مجزرة".

ولم تعلن السلطات حتى الآن أي معلومة تتعلق بالحادثة التي تولى جهاز الأمن الوطني التحقيق فيها بأمر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، بيد أن وصفها من قبل رئيس خلية الإعلام الأمني سعد معن بأنها "جريمة بكل معنى الكلمة" يشي بأن ما جرى تداوله في البداية بشأنها ليس دقيقاً.

وقيل إن الرجل، واسمه رحيم كاظم الغريري، مطلوب بتهمة "الإرهاب" وثانية قيل إنه "تاجر مخدرات"، قبل أن يتبيّن خطأ ذلك وأن سجله الأمني في بابل "نظيف تماماً وإن حياته الخاصة تبعث على الأسى".

وروى مصدران محليان يعيشان على مقربة من مكان الحادثة تفاصيل ما جرى في حديث لموقع IQ NEWS.

وقالا إن "ابنة الغريري متزوجة من أقارب أمها الذين يسكنون في بغداد وأن اثنين منهما على الأقل ضباط في وزارة الداخلية، ولمّا عادت الأبنة إلى منزل والدها إثر خلاف مع زوجها رفض الأخير، وهو يحنو بشكل كبير على بناته، إعادتها إلى منزل الزوج".

قبل 10 أيام، والحديث للمصادر، ذهب عدد من أقارب زوج البنت إلى جبلة للحديث مع والدها لإعادتها لكنه رفض وطردهم بإطلاق النار، "يومها توّعد الزوج عمّه وعاد إلى بغداد".

مساء الخميس، "تكررت الحالة. شاهد الرجل عدة أشخاص بزي مدني قادمين باتجاه منزله وتعرف عليهم فبعضهم كانوا من أقارب زوج ابنته ثم جرى إطلاق نار في الهواء، وبعدها تدخلت قوة خاصة من (سوات) ضدّه"، وفق المصادر.

واصطفت عدة "همرات" على مسافة من المنزل، وتبادل عناصرها إطلاق النار مع رحيم كاظم الغريري، وبعد مدة قصيرة ولمّا أصاب الأخير عنصرين من القوة "وجه آمر القوة جنوده بإطلاق النار الكثيف واستخدام الرشاشات الثقيلة وقذائف صاروخية باتجاه المنزل".

هذه المفارز "قدِمت من بغداد"، وفق المصادر ومحافظ بابل حسن منديل، ولم تعرض على الشرطة المحلية في المنطقة مذكرة قبض بحق الغريري، "ولذلك فإن ضباط وعناصر الشرطة المحلية موقوفين حالياً ويجرِ التحقيق معهم"، كما استعانت بقوات متواجدة في المحافظة للاشتراك معها في الهجوم على المنزل.

وبعد مدة وجيزة على استخدام قوة "سوات" رشاشاتها الثقيلة وقذائفها "لم يعد الرجل يطلق النار من منزله المبني بشكل منفرد على أرض زراعية" وخمد صوته، وعندها "اقتحمت القوة المنزل لتجد 20 جثة بعضها لنساء وأطفال هم أبناء الرجل وشقيقه إضافة إلى زوجته وابنته. كانت معلومة وصلت إلى آمر القوة المداهمة بان في المنزل إرهابيين اثنين، وهو ما تبيّن للضابط خطؤه عندما دخل المنزل"، تقول المصادر.

و"لكي يخلّص نفسه من المساءلة القانونية"، تستطرد المصادر المحلية في حديثها "فكّر الضابط بترتيب رواية تنقذه، فأدعى أن الرجل انتحر بعدما قتل أفراد عائلته"، وهذه الرواية تبنتها خلية الإعلام الأمني الرسمية في بيان أوردته صباح اليوم التالي على الحادثة.

وقالت الخلية في بيانها إنها "توّد أن توضح أن القوات الأمنية قامت بملاحقة متهمين اثنين بالإرهاب في منطقة جبلة شمالي محافظة بابل وبعد تضييق الخناق عليهما قاما بفتح النار العشوائي ما أدى إلى إصابة عدد من أفراد القوة المنفذة للواجب التي شرعت بفتح تحقيق على خلفية العثور على عدد من جثث لمواطنين في منزل بالمنطقة انفا".

قبل صدور هذا البيان، قال محافظ بابل حسن منديل في بيان أورده بعد منتصف ليلة الجمعة، "نتابع بألم مع الجهات القضائية والأمنية ما حصل في قضاء كوثا هذا اليوم من عملية أمنية راح ضحيتها اطفال ونساء. ان ما حصل اليوم من إزهاق لأرواح أشخاص ابرياء جريمة كبيرة لا يمكن السكوت عنها".

وأضاف "إننا في الوقت الذي ندين ونستنكر فيه الحادثة الجنائية، نؤكد عدم السماح بالمتاجرة بالدم العراقي البريء"، معلناً "تشكيل لجنة تحقيقية ستكشف عن الأسباب التي أدت لوقوع هذه المجزرة".
وقال أيضاً إن "المجرم الحقيقي سينال الجزاء المناسب لهكذا فاجعة ولن يفلت من العقاب".

وعندما زار وزير الداخلية عثمان الغانمي محافظة بابل وتجوّل في محيط المنزل الذي وقعت فيه الحادثة إلى جانب رئيس خلية الإعلام الأمني اللواء سعد معن، نقلت الكاميرات مشاهد من المكان المحظور دخوله من قبل أي شخص عدا عناصر الأمن وخبراء الأدلة الجنائية والمحققين.

بدت آثار الأسلحة الثقيلة والقذائف على جدران المنزل بوضوح وبينها ثقوب كبيرة، وقبلها بيوم كان مقطعاً مصوّراً قد وثق جثث القتلى على الأرض.

وترفض عائلة الغريري وعشيرته حتى الآن استلام جثث الضحايا لدفنها وتصّر على أن ما جرى لأبنها وعائلته "جريمة سببها الخلاف العائلي مع نسيبه المتنفذ ولا سبب آخر مطلقاً".

لكن، وبحسب المصادر المحلية، فقد جرى "تشريح الجثث وبرأت الأدلة الجنائية وما توصّلت إليه التحقيقات رحيم الغريري من قتل عائلته حيث تبيّن أن بعض الأطفال قضوا بفعل الدخان المنبعث من قنابل الغاز التي ألقتها (سوات) على المنزل وكذلك شظايا الصواريخ".

"كان خائفاً"

المعلومات التي أدلت بها هذه المصادر، كوجود مشكلة شخصية بين الضابط ووالد زوجته، رحيم الغريري، قادت إلى مقتل الأخير وعائلته، ووصول "إخبار وبلاغ" للقوات الأمنية مفاده "اختباء إرهابيين في الدار وهذا ما دفع القوات الأمنية لمهاجمته بقسوة"، تتوافق مع معلومات المحافظ حسن منديل.

وخلال حديثه لموقع IQ NEWS، يصف منديل الغريري بـ"المجني عليه" ويقول إن "التهديد الذي تعرض له الراحل ومواقف معينة جعلته خائفاً من دخول المداهمين لمنزله".

طال الاشتباك، كما يؤكد محافظ بابل 3 ساعات، واستعين بقوات متواجدة في المحافظة للاشتراك فيه قبل أن تتمكن الجموع الأمنية هذه من اقتحام المنزل مع غروب الشمس، لتجد "العائلة مقتولة على بكرة أبيها".

ويصرّ منديل على أن "الحادثة جنائية ولا صلة لها بالإرهاب"، وهو ينتظر الآن ظهور نتائج التحقيقات القضائية ويحاول "قدر الإمكان أن نظهر الحقيقة ونحفظ دماء الأرواح البريئة (التي قضت) بدون ذنب".

"لا يريد" محافظ بابل "التسرّع وظلم جهة معينة"، ويتعهد بإعلان نتائج التحقيق "خلال 5 أيام وكذلك المتهمين بشكل صحيح واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي مقصر".

كيف سيحكم القضاء؟

يجمع الخبير القضائي حيان الخياط خلاصة قرارات وزير الداخلية عثمان الغانمي غداة الحادثة، وكذلك تصريحات محافظ بابل والناطق باسم وزارة الداخلية، ليستنتج مبدئياً أن "هناك جريمة وقعت".

وإزاء ذلك "إذا ثبت وجود أمر قبض بحق رحيم الغريري وأنه بدء فعلاً بإطلاق النار فإن القوات الأمنية يحق لها الرد عليه وقتله، أما إذا لم يثبت ذلك وتبيّن عدم وجود أمر قبض فهنا نحن أمام جريمة قتل بظرف مشدد وهذه عقوبتها الإعدام"، بحسب الخياط.

وفي حال ثبت الشق الثاني من هذه الفرضية، فإنه "لا يجب أن يتوقف الحكم عند إعدام عناصر الأمن القتلة إذا ما أدينوا بذلك فعلاً، بل يتوسع ليشمل إدانة جميع المسؤولين داخل المحافظة بالتقصير وصولاً إلى المراتب العليا، وهذا أقل ما يمكن فعله لإبقاء ثقة الناس بقواتهم الأمنية"، ينهي الخبير القانوني حيان الخياط مداخلته.

من جبلة، وعلى مسافة قريبة من المنزل الذي شهد الحادثة، قال مصدر محلي تابع التفاصيل منذ لحظتها الأولى، في حديث لموقع IQ NEWS، إن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي سيحضر إلى جبلة يوم غد وسيتم تشييع القتلى بما فيهم رحيم اعيادة الغريري، الرجل الفقير مادياً ويعيش على راتب الرعاية الاجتماعية، ولا يملك أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي".