"العتاكة" في كركوك.. فرق جوالة تمحو آثار داعش وتلهو بالمتفجرات

بغداد - IQ  


يجلس إبراهيم خلف، في سيارة صغيرة مع شقيقه، ويبدو على وجوههم التعب من مهنتهم التي تتلخص بجمع كل ما تقع عليه أيديهم من حديد مرمي في شوارع كركوك، من آثار تنظيم داعش وما خلفته الحرب ضدهم من خراب ينتشر في المدينة ويستقطب إبراهيم وشقيقه وغيرهم ممن يمتهنون مهنة "العتاكة".


و"العتاكة" هي مهنة قديمة يزاولها العديد من العراقيين خاصة أبان زمن الحصار الاقتصادي على العراق في تسعينيات القرن الماضي، إذ يلجأ الناس، خاصة الفقراء منهم، إلى جمع ما تيسر لهم من أغراض عتيقة مرمية في الشوارع، ويقومون بجمعها ثم بيعها لبعض المصانع كمواد أولية من الممكن إعادة صنعها واستخدامها من جديد.


ويعمل العتاكة في كركوك، على جمع وجني الحديد من المعاقل السابقة لتنظيم داعش جنوب غربي كركوك، في عملية تشبه محاولة لمسح ملامح وآثار داعش، خاصة مصافي النفط الصغيرة التي كان التنظيم يستخدمها لتكرير النفط وبيعه وجني ملايين الدولارات منه، حتى قامت طائرات التحالف الدولي بقصفها وتدميرها.


وما زالت اثار تنظيم داعش شاخصة للعيان، فنرى سيارات مفخخة تحولت الى خردة متآكلة ومرمية في شوارع المدينة، ووجود بعض المضافات المتروكة بما تحتويه من عبوات ومتفجرات، بعد مضي أكثر من اربعة سنوات على تحرير هذه المناطق من قبضة اعتى تنظيم استهدف المدنيين.


السيارات القديمة تقع أمام مركز ناحية الرشاد (40 كم جنوب غربي كركوك)، وهو الطريق الرئيس الرابط بين كركوك وتكريت عبر مركز الناحية، وآثار الدمار لا زالت قائمة، فنرى قرى خالية من اهلها وخربة، لكن رغم بشاعة المشهد، تبقى فرص الباحثين عن لقمة العيش أقوى من كل شيء.


موسم جني الحديد من معاقل داعش


يقول إبراهيم خلف، وهو شاب اسمر يبلغ من العمر (30 عاما) لموقع IQ NEWS، إن "المهنة التي نعمل عليها ليست سهلة بل هي اصعب المهن وخاصة ونحن نبحث في بقايا داعش ونعمل على نقل ما نجده عبر سيارات صغيرة لبيعها بالوزن الى التجار، لنربح ونجني المال فنحن يطلقون علينا (العتاكة) وهي لغة محلية تدل على اننا نبحث عن الاشياء القديمة العتيقة لبيعها وجني الاموال فهكذا نحن نخاطر بحياتنا بحثا عن لقمة العيش وحصادنا هو حديد داعش ومصافيه المحلية التي كان يستخدمها لجني ملايين الدولارات من بيع النفط الخام".


واستطرد خلف، قائلا إن "مهنة البحث عن الحديد تبدأ من مركز ناحية الرشاد جنوب غربي كركوك حيث لا نعمل لوحدنا  فنحن ننطلق مجاميع صغيرة ولكننا نقسم المواقع التي سوف نبحث فيها عن الحديد لتقطيعه ومن ثم نقله، وغالبية الحديد نجده في مصافي النفط ومضافات داعش وهذه المهمة ليست بالسهلة وتبدأ الرحلة بالدخول في مناطق لم يصل اليها قوات الامن العراقية نفسها في عمق الصحراء نجد ضالتنا مضافات تحوي على الحديد وهي تحت الارض نقوم بقلبها وسحب الحديد وما نريد منها ولا نتركها الا وهي خاوية على عروشها".


وعن الكميات التي يجنون منها من العمال يقول خلف، إن "الرزق على الله نخرج في الفجر ونعود في المغيب وفي كل يوم يصل معدل جمعنا الى نحو 30 كغم من الحديد وبعد جمعه نقوم بنقله الى موقع الجملة حيث يتم بيعه حسب الكميات ويصل سعر حمولة السيارة الى 100 دولار في اليوم وفي ايام نحصل على 50 دولار واقل وهو رزق من الله".


من جهته يقول أحد ناقلي الخردة ويدعى عبد الستار جبار لموقع IQ NEWS، إن "مضافات داعش ومصافيه تعتبر أكبر مورد للحديد ونحن نحدد المواقع البعيدة والنائية حيث تكون كميات الحديد الموجودة اكثر مما موجود في المناطق القريبة من القرى ومنذ بدأ العمل تمكنا من تفكيك نحو 20 مصفاة محلية كان داعش يستخدمها في تكرير النفط وهذه المصافي عبارة عن خزانات كبيرة مربوطة بشبكة انابيب ممتدة تحت الارض ونحن نقطه هذه الخزانات الى قطع صغيرة لسهولة النقل والعمل ليس خالي من الخطورة وذات مرة دخل في عمق وادي زغيتون بحثا عن الحديث وتعرضنا الى اطلاق نار مباشر من عناصر داعش ولكن نحن نعرف كيف نتعامل مع هذه المجاميع الجبانة نرد عليهم بإطلاق النار ونواجه من يفعلون لنا بالمثل".


وعن وجهة هذه الكميات المجموعة من الحديد يشير جبار إلى أن "ما نجمعه نعرضه للبيع في ساحة خاصة ونقوم بعدها بوضع الحديد على شاحنات كبيرة لنقلها باتجاه معمل الحديد والصلب في السليمانية الذي يشتري جميع ما نجمعه من حديد وخردة".


ويتابع أن "العتاكة يحصدون الحديد ويسمحون تاريخ داعش وفي ذات الوقت نساهم في تدمير مضافاتهم التي يختبئون فيها مثل الجرذان ونحن نصطادهم وندمر اي مضافة نشاهدها ونحولها الى خردة وقطع صغيرة وبهذا نحن نساهم على القضاء على تلك الجيوب الارهابية في أطراف كركوك ولكن المهمة ليست سهلة والطريق محفوف بالمخاطر".


عبوات ومتفجرات تستهوي العتاكة

ويروي "العتاك" غزوان العبيدي، لموقع IQ NEWS، أن "ما يمتعنا ويستهوينا هي عبوات داعش المحلية ونحن نعثر على عدد منها اثناء رحلة البحث ونعرف كيف قام داعش بربطها ونقوم بتفكيكها ونعرف العبوات الخاملة من تلك التي تكون جاهزة للانفجار وفي غالب الاحيان حين نعثر على متفجرات نتصل بالشرطة والاجهزة الامنية لرفعها".


من جهته يقول عضو مجلس قضاء الحويجة المحلي السابق أحمد خورشيد لموقع IQ NEWS، إن "قضاء الحويجة يعتبر آخر معاقل داعش في العراق والتي تم تحريرها من قبل القوات العراقية ولكنهم يمتلكون جيوب تتحرك بين فترة واخرى لاستهداف المدنيين والقوات الامنية، وترك التنظيم مخلفات كثيرة من الحديد والسيارات المفخخة التي باتت تستهوي جامعي الخردة لبيعه ومحو تاريخ أعتى تنظيم ارهابي".


وأكد خورشيد أن "قطاع الحديد والخردة بات مورداً مالياً لعدد من الباحثين عن العمل في هذه المناطق وهم من ابناء المدن والقرى التي دمرها داعش".