"عودة للوطن دون تذكرة"

من أقاصي العالم.. عراقيون مغتربون يطلبون أكلات من بغداد: "لذكرياتنا مع الأحبة مذاق"

بغداد - IQ  

من المهجر البعيد، يطلب عراقيون لاجئون في دول قصية من العالم، طعاماً عراقياً من داخل الوطن الأم ليصلهم إلى يعيشون الآن.


ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وحتى السنوات القليلة الماضية، هاجر مئات الآلاف من العراقيين بفعل تردي الظروف الاقتصادية والأمنية والسياسية والمجتمعية، وخلال الأعوام الخمسة الأخيرة بلغ عدد المهاجرين العراقيين 562,293 شخصا. 


وتوزع هؤلاء على مختلف دول العالم، العربية والأوروبية وقارة استراليا والأمريكيتين، ودفع طلبهم الأكل العراقي بعض المطاعم في بغداد لأن تختص بمجال الطعام المنقول للخارج، فتصنع لهم الأكلات وتجهزها بآلية مناسبة للنقل.


وللعراق أكلات شعبية خاصة لا تعرفها دول أخرى، أو تصنعها لكن بجودة أقل، مثل "الباجة" والسمك المسكوف و"القوزي"، و"الدولمة"، و"الكاهي بالكيمر"، وغيرها.

ويقول مدير مطعم في بغداد، يتلقى طلبات لصنع أكلات تؤخذ إلى أميركا وكندا، لموقع IQ NEWS، إن المطعم الذي يديره والذي يعود تأسيسه إلى عام 1971، يستقبل زبائن يطلبون طعاماً بهدف توصيله إلى عراقيين في الخارج، يحنّون إلى الطعام العراقي المفتقد هناك.




"هجرة العراقيين للخارج أنعشت مطعمي"



وبنحو لا يخلو من تناقض، فإن الهجرة من العراق انعكست إيجاباً على هذا المطعم، كما يقول صاحبه، حيث بات منذ 2004 يعدّ طعاماً خاصاً ينقل إلى الأردن وتركياً مثلاً، ولاحقاً إلى أميركا وأوروبا.


"يأتي زبائن يطلبون أعداداً من شطائر البرجر أو الدجاج التي نصنعها بمذاق ونكهة شرقية. يخبرونا بالوجهة التي سينقل إليها الطعام فنضع الوصفة حسب المسافة التي سيقطعها بحيث لا يتلف خلال عملية النقل والسفر به"، يقول مدير المطعم البغدادي.


ويوضح "عندما تكون المسافة قريبة، كدول الجوار مثلاً حيث السفر إليها يستغرق ساعات، يكون الأمر سهلاً والمكوّنات الداخلة في صنع الطعام أكثر، أما عندما يطلب الطعام لينقل إلى عراقيين يعيشون في الولايات المتحدة أو كندا مثلاً، فإن الوصفة تتغير".


"يخبرنا الزبون بالوجهة التي سيأخذ إليها الطعام، فتكون الوصفة مناسبة للمسافة التي سيقطعها ونصنعه بطريقة لا تجعله يتلف قبل الوصول إلى مقصده، كما نقدم إرشادات للزبون حول كيفية الحفاظ على الطعام من التلف كتجنب تعريضه لأشعة الشمس وتجنب وضعه في مكان رطب "، يقول مدير المطعم البغدادي الذي تحدث لموقع IQ NEWS.





"وصفة الطعام المنقول للأردن مثلاً تختلف عن وصفة طعام سيذهب لأميركا"



ويشرح المسألة قائلاً، إن الطعام يحتوي على مكونات قابلة للتلف إن بقيت لأكثر من نصف يوم خارج براد الأطعمة، لذلك يتم الاستغناء عن بعض المكوّنات عندما يراد نقل الطعام إلى دول بعيدة، مثل الطماطم والصلصة والبصل، حيث توضع قطعة اللحم داخل الرغيف ويُلف بورق "الرايز" أو تلك المصنوعة من الألمنيوم الخاص بالمأكولات.

كثرة الطلبات من هذا النوع على المطعم، جعلت العاملين فيه يسألون الزبون عن الوجهة التي سينقل إليها الطعام حتى يعدّوه بالطريقة والمكونات المناسبة، فوصفة الطعام الذي يستغرق وصوله إلى طالبه يومين مثلاً يختلف عن الطعام الذي يصل خلال ساعات.


وعند تسليم الطعام للزبون، يرشده عمّال المطعم إلى عدم تعريضه للشمس أو الرطوبة أو وضعه على الأرض خلال السفر لئلا يتلف، بينما يؤكد مدير المطعم البغدادي أن جودة الطعام لا تختلف كثيراً عند الاستغناء عن بعض مكوّناته بغية الحفاظ عليه من التلف خلال نقله إلى دول بعيدة.


ويؤكد صاحب المطعم البغدادي الذي تحدث لـIQ NEWS إن السفر بالمأكولات العراقية التي يصنعها مطعمه مستمر منذ 18 عاماً، وأرسلت الأطعمة من داخل العراق إلى الأردن ولبنان والإمارات ومصر وسوريا والكويت وكندا وفيينا والولايات المتحدة ودولاً أخرى.


"صحيح أنه توجد مطاعم عراقية في تلك الدول، لكن الأمر متعلق بالطعم والرائحة. كأن الشطائر الخارجة من هنا تعيدك إلى العراق مجدداً، دون تذكرة أو طيارة"، يختم حديثه.





ارتباط عاطفي


"الأطعمة المعدّة في العراق تعيدهم إلى مراحل حياتهم الأولى"



على الجانب الآخر، يقول شباب عراقيين مهاجرين، إن الأطعمة المعدّة في العراق تعيدهم إلى مراحل حياتهم الأولى، وتأتي إليهم بذكريات عديدة عندما كانوا في الوطن.


إيهاب كمال، شاب عراقي يتحدّر من البصرة، وهو الآن مغترب في الولايات المتحدة الأميركية، يقول لموقع IQ NEWS، إنه كان يقصد عندما كان مراهقاً شارعاً خاصاً بالمطاعم في منطقة الجبيلة بالبصرة مساء كل يوم مع أصدقائه، ويسهرون هناك حتى وقت متأخر ليطلبوا أنواع من الساندويشات أو "المشاوي" ومعها حب عبّاد الشمس.


"كنا نبقى أحياناً حتى الصباح في ذلك الشارع، وهذه الذكريات حاضرة معي الآن وأحاول تكرارها عندما أزور البصرة كل 3 – 4 أعوام. صرت أطلب من المعارف الذين يقدمون إلى أميركا طعاماً عراقياً، فهو يحمل لي ذكريات عديدة".


ويضيف أنه يعاني أحياناً من تلف بعض السندويشات التي تنقل إليه، لكنه يجد بعضها صالحاً للأكل ومحافظ على طعمه الأول، وبالمقابل، يأخذ معه علبة من المخبوزات الأميركية وتحديداً "دونات" المشهورة، إلى أصدقائه عندما يزور مدينته الأم في العراق.


"أكلة تذكرني بوالدي"


أما بدر كاظم، وهو عراقي الأب وأردني الأم، ويقيم حالياً في أسطنبول، فإن بعض الأطعمة بالنسبة له، ترتبط بأشخاص.


"مثلاً، كان والدي يعتمد صلصة حمراء عند الشواء ولم أكن أطلبها من المطاعم أبداً، لكني الآن لا استطيع الشواء في المنزل دون وضع هذه الصلصة فالطريقة والطعم يرتبطان بوالدي. صحيح أن المسافة كبيرة بيننا الآن، إلا أن هذه الطريقة تعيدني إليه. إنها مرتبطة به عندي"، يقول كاظم لموقع IQ NEWS.


دراسات


وتخلص بعض الدراسات إلى أن الذكريات التي تحرضها روائح الطعام تكون نسبة العاطفة فيها أكبر من تلك التي تحرضها الأصوات أو المشاهد، وتكون أقوى من الكلمات والصور حتى.


تقول الدراسات ايضا ان "حبّك لطعامٍ معيّن واستمتاعك به لا يعتمد فقط على المذاق الذي تستشعره في ذلك الوقت، بل هو أيضًا ذاكرة الأوقات الأخرى التي تمتّعتَ وستتمتع فيها بنفس الطعام، فالدقائق التي تستمتع بها فعليًا بالطعام ستنقضي وتعبر، أما ما سيتبقّى لديك هو الذاكرة إذ يعمل الطعام كمحفّز فعّال للعديد من الذكريات التي ترتبط بشكلٍ عميق مع الكثير من المشاعر والعواطف، والحالات الداخلية للعقل والجسم. والكثير منه يسلك وكأنه مسارٌ نحو الماضي، بالحنين إليه والشعور تجاهه".