التحرش ظاهرة تتنامى.. مديرون يستبدلون "CV" الموظفة بحجم تنورتها

بغداد - IQ


ارتفع الصوت فجأة.. دخلت من دون استئذان، وجدت موظفة الاستقبال تحاول إنقاذ يدها من قبضة المدير التي سرعان ما تراخت فور رؤيتي، غادرت الموظفة المكتب ولم نرها بعد ذلك.


"لم يمنحني المدير غير خيارين، أن أتحفظ على ما أراه وأتجاوزه والاحتفاظ براتبي، أو أن أقدم استقالتي"، تقول (ن.ح) رئيسة قسم الديجيتال ميديا في إحدى الشركات المختصة بصناعة الإعلانات.


وتحتفي دول العالم وبينها العراق، اليوم الاثنين (8 اذار 2021)، بيوم المرأة العالمي، حيث تقام مناسبات وتعقد ندوات ترعاها الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، بهدف تطوير واقع المرأة ودعمها.

وتضيف (ن.ح) في حديث خصت به موقع IQ NEWS، أنها اضطرت لتقديم استقالتها بعد أن شهدت على حالة التحرش السافر هذا، متخلية عن راتب 1500 دولار، وأنها فوجئت عند البحث عن عمل يقارب الأجور التي كانت تتقاضها، بأن بيئات العمل الأخرى لا تخلو من حالات مماثلة أو من "التحرش اللفظي" على الأقل.


وتحدثت عن إحدى مقابلات العمل التي دبرتها لها زميلة في مجال الإعلانات أيضا، قائلة إنها فوجئت بالشروط التي يجب توفرها لمنصب نائب المدير، وهي أن "تكون فتاة متفرغة تماما للعمل، ويمكنها السفر وفق ماتتطلبه مقتضيات العمل، وحسنة الشكل ولبقة في التعامل مع ضيوف الشركة"، والأنكأ من ذلك بحسبها، أن "تفرض الوظيفة على المتقدمة للعمل في فرع آخر للشركة، وهذا الفرع هو عبارة عن شقة مؤجرة في إحدى المجمعات السكنية، يسكنها موظفان اثنان فقط، هما مدير الفرع وموظف الخدمات".


وأكملت، "حينما اعتذرت عن العمل وانسحبت من المقابلة، بقي رئيس هذه الشركة يراسلني هاتفيا لأكثر من ستة أشهر، ومن أرقام مختلفة، في محاولة منه لاستدراجي مجددا والعودة إلى مقابلته مرة أخرى أو قبول العمل في فرع آخر للشركة".


التبربش ولا العمى


موظفة أخرى (س.م)، كانت قد التمست بالتجربة "المرّة"، العلاقة الطردية بين سلوكها ونمط الملابس التي ترتديها داخل العمل، وحظوتها لدى مديرها بمعزل عن أدائها الأعمال المكلفة بها.


الضغوط العائلية التي أجبرتها على تغيير نمط ملابسها القصير، واللجوء الى الفضفاضة منها واستبدال الكعب العالي بأحذية أقل إغراءً، والتقليل من مساحيق التجميل التي تستخدمها باستمرار، نتج عنه مجاملة أقل لـ"نكات المدير" التي تصفها بـ"السمجة"، مبينة أن هذا سرعان ما انعكس على طريقة تعامل المدير معها.


وأضافت، أن "المدير وجه تنبيها مباشرا لي، قائلا إن بقائي في الشركة مرهون بهندامي، وتملقي له، واختصر ذلك بالمثل الشعبي (التبربش ولا العمى)، أي أنه على الأقل يريد أن يمتع ناظريه باظهار أجزاء من جسدها، إذا كان لا يستطيع أن يتجاوز هذا الحد"، مبينة "لعل تنورتي القصيرة كانت السيفي (السيرة الذاتية) التي تؤمن راتبي".


مخاوف مجتمعية


لا تتوجه الموظفات العاملات في القطاع الخاص، اللائي يتعرضن للتحرش اللفظي والجسدي إلى القضاء عادة، وخلاف ذلك مرات محدودة وقليلة، لا توفر إحصائية واضحة لعدد حالات التحرش في هذه الأماكن، تقول رئيسة نقابات النساء العاملات بالقطاع الخاص، صفاء الأمين لموقع IQ NEWS.


وتعزو الأمين، سبب تكتم النساء، والتغاضي عن حالات التحرش، الى "الطبيعة الثقافية التي تعيشها النساء، فالأعراف والتقاليد لا تمنح المرأة حق الدفاع عن نفسها بمثل هذه الأمور أمام القضاء والمحاكم، بل تحملها مسؤولية ما تعرضت له".


وتضيف، أن "قانون  العمل (37) لعام 2015 تضمن الكثير من الفقرات التي تحمي المرأة العاملة، سواء في القطاع الخاص أو العام، ومن أهم ما تطرق له القانون، هو قيود تشغيل النساء والجزاءات المترتبة على مخالفتها، وحظر التشغيل ليلا والراحة اليومية وعمل الحوامل، وكذلك تحديد ساعات العمل".


وتستدرك الأمين "لكنه لم يتعامل مع جزئية تعرضها لمضايقات لفظية أو جسدية أو غيرها من وسائل الضغط على المرأة العاملة في بعض الشركات"، مبينة أن "هناك عدة جهات يمكنها توفير الحماية للمرأة العاملة، منها الاتحادات والنقابات المختصة، وأيضا المحكمة الإدارية ومحكمة العمل، لكن غياب الوعي لدى النساء وهيمنة فكرة أن المجتمع سيقف ضدها في حال المجاهرة بالمظلومية، يحول دون ذلك".


وعن كيفية إجبار رؤساء العمل على التعاطي مع النساء وفق محددات العمل فقط، تقول الأمين، إن "القانون ضمن حق المرأة لكن المشكلة تكمن في تطبيق هذا القانون، خاصة وأن هناك أرباب عمل يستغلون الظرف الاقتصادي المتردي الذي يجبر المرأة على العمل، فمن واجب وزراة العمل، والتي هي الراعي الرسمي لجميع العاملين سواء الخاص أو العام متابعة  وضع العاملات في الشركات الأهلية لضمان عدم تعرضهن لهذه الحالات".


وتقترح رئيسة نقابات النساء العاملات بالقطاع الخاص، "جمع بيانات محددة عن عدد العاملات في القطاع الخاص وتفصيلها وفق المهارات والدرجة العلمية بالإضافة إلى سنوات الخدمة والدورات التدريبية والراتب الشهري وفق هذه المميزات، وكذلك تحديد أهم المشكلات التي تواجه النساء العاملات، والفرص المتاحة لهن  والشروط المعينة التي تفرض عليهن والمهام الخاصة بكل نوع من أنواع الوظائف، والمعلومات التفصيلية حول عدد فرص العمل بالقطاع الخاص وأنواعها، لضمان وجود قاعدة بيانات تكشف المفاضلة في الشركات الأهلية وأسبابها مما يمكن أن يعطي فرصة لمعرفة تعرض العاملات في إحدى الشركات لمضايقات أو لا".


مبدأ "الصم البكم العمي"


(ن.ح) يؤرقها تقبل السكوت المفروض من قبل إداراتها شركات القطاع الخاص، على حالات التحرش التي قد يصدف مرة أخرى، وأن تكون شاهدة عليها، وتتساءل دائما "هل أكون في مثل هذا الموقف يوما ما؟ وهل سيتكتمون عليّ أيضا؟".