تقرير عربي: الحلبوسي يرسخ الزعامة السنية في قلب السياسة العراقية

بغداد - IQ  
تناول تقرير عربي المسار السياسي لزعيم حزب تقدم، الرئيس محمد الحلبوسي وتحوّلات حضوره في المشهد الوطني، وأبرز محطات تجربته السياسية.
ونشرت صحيفة الشرق الأوسط، تقريراً موسعاً، أعده الصحفي البارز علي السراي، تضمن قراءة تحليلية في وقت تتسارع فيه المتغيرات داخل العراق والمنطقة، ليبرز خلالها الرئيس الحلبوسي بوصفه أحد أكثر الفاعلين قدرة على إعادة تشكيل موقعه ودوره، متجاوزاً العواصف السياسية التي شهدتها السنوات الأخيرة.
وتهدف هذه الصياغة إلى تقديم سرد أشمل لمسار عودته إلى صدارة القرار السني والعراقي، وإبراز الأدوات التي مكّنته من ترسيخ حضوره ضمن أحد أكثر السياقات السياسية تعقيداً وتحولاً في تاريخ الدولة العراقية الحديثة.
تعيد "IQ" نشر هذه المادة، من دون المساس بفكرتها الأساسية أو حذف أي من المعلومات الواردة فيها، مع الحفاظ على جوهر المحتوى وعلى السياق الذي عرضته الصحيفة.
الزعيم السني الصلب 
فاز الرئيس محمد الحلبوسي، أحد أبرز وأعقد الفاعلين السنة في العراق، بعشرة مقاعد عن بغداد، و35 مقعداً من أصل 329 في عموم البلاد، خلال انتخابات 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
تبدو هذه الأرقام لافتة لشخص أُقيل قبل عامين من رئاسة البرلمان، وهو أعلى منصب خصصته الأعراف السياسية للعرب السنة منذ عام 2003.
وعلى مدى عامين مضطربين، وبينما كانت المنطقة تطوي فصولاً عنيفة منذ 7 تشرين الأول 2023، كان زائرون للأنبار، مسقط رأس الرئيس الحلبوسي، يلتقطون صوراً لمشاريع البنى التحتية الجديدة، متسائلين: "أليست هذه نفسها الأنبار التي حاول البعض معاقبة زعيمها؟".
أظهرت النتائج أن الرئيس الحلبوسي، الذي ترشح لأول مرة في بغداد، تفوّق بنحو 72 ألف صوت على نوري المالكي، فيما تقدم حزبه "تقدم" منفرداً على الحزب الديمقراطي الكردستاني بثمانية مقاعد.
المصارعة مع أسماك القرش 
جسدت عودة الرئيس الحلبوسي انتقالة لافتة في معادلات القوة بين المكونات العراقية، وكيفية إدارة النفوذ في محيط مشبع بالتنافس الطائفي والسياسي.
كما تسلط الضوء على نموذج حزبي صارم وسريع النمو داخل بيئة سنية طالما افتقدت الاستقرار التنظيمي، لكنها اليوم تستعيد تقاليد العمل السياسي ومراكز النفوذ.
الرئيس الحلبوسي، المهندس المدني القادم من بلدة الكرمة، وجد طريقه من شركة محلية إلى قلب النظام السياسي، في منطقة تتقاطع فيها الإرادات السنية والشيعية تحت ظلال النفوذ الإيراني.
من دخوله البرلمان عام 2014 إلى رئاسته لجنة المال عام 2016، كان سريعاً في فهم خرائط الولاءات والمخاطر.
سرعان ما بدا للرئيس الحلبوسي أنه يتحرك في ملعب تتصارع فيه "أسماك القرش"، وبمرور الزمن، بدا خطراً على خصومه من مختلف الاتجاهات، بعدما بدأت ملامح مشروعه السياسي بالظهور بوضوح.
سنوات الدم
خلال سنوات 2003 – 2014، كانت محاولات كثيرة لشخصيات سنية لدخول الحياة العامة تنتهي بمصائر مأساوية.
وفي هذا السياق الدموي بين بغداد والكرمة، تشكّل وعي الرئيس الحلبوسي السياسي المبكر، وهو يتنقل عبر طريق محفوف بالانتحاريين ونقاط التفتيش والميليشيات.
دخل البرلمان عام 2014 وسط أجواء تتصاعد فيها قوة تنظيم "داعش" وتنهار فيها بنى الدولة، فيما كانت المحافظات السنية تواجه أخطر مراحلها التاريخية.
كان الرئيس الحلبوسي يدرك أن البقاء على هامش النظام يعني أن ينتهي كغيره من السياسيين السنة الذين انهار مشروعهم أمام هيمنة المنافسين. فاختار الدخول إلى قلب النظام بدل البقاء في هامشه.
صناعة النفوذ
بعد تحرير المدن من تنظم "داعش" تمدد نفوذ فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، واعتُبر ذلك بداية مرحلة جديدة من التنافس على السلطة.
في 2017 أصبح الرئيس الحلبوسي محافظاً للأنبار، ثم رئيساً للبرلمان بعد عام واحد، في صعود سريع ودال على فهمه العميق للتوازنات.
تصف شخصيات حكومية عملت معه عن قرب أن "ظاهرة الرئيس الحلبوسي" نتاج تفاعل بين حاجة اجتماعية سنية لزعيم قادر، وبين قدرته على التموضع في اللحظة المناسبة بأداء واقعي وفعّال.
لكن خصومه رأوا غير ذلك.
الإقالة… والعودة الأقوى
في تشرين الثاني 2023، أُقيل الرئيس الحلبوسي من رئاسة البرلمان وشُطبت عضويته.
في اليوم التالي ظهر أمام الصحفيين وهو يلوّح بالدستور، في خطوة غير مسبوقة في السلوك السياسي السني.
ورغم ضغوط خصومه من السنة والشيعة، وتعليقات تنسب القرار إلى "رغبة إيرانية في إعادة التوازن"، تعامل فريق الرئيس الحلبوسي مع الإقالة بوصفها محطة لإعادة إنتاج المشروع، وليس نهاية الدور.
بعد شهر، خاض انتخابات مجالس المحافظات وفاز بـ21 مقعداً، مستفيداً من موجة التضامن الشعبي التي رافقت قرار شطب عضويته.
ثم أصبح أكثر صرامة داخل حزبه، وأكثر تشدداً في حماية مشروعه، حتى مع أقرب المقربين.
وفي نيسان 2025، تمت تبرئته من تهمة التزوير التي أقيل بسببها، بينما غادر القاضي غايب العميري الذي أصدر القرار منصبه لاحقاً.
زعامة سنية جديدة
يرى بعض خصوم الرئيس الحلبوسي أن صعوده نتاج لحظة مناسبة أكثر مما هو نتاج خصائص شخصية، لكن شريحة واسعة من السنة وجدت فيه الزعيم الذي يشبع حاجتها التاريخية إلى تمثيل قوي بعد سنوات من العنف والتهميش.
خلال الحملة الأخيرة، تحدث الرئيس الحلبوسي بلغة واضحة:
"نحن السنة نقرر ما نريد… ولن نسمح للآخر بأن يقرر نيابة عنا".
إقليمياً، يتوقع سياسيون أن يلعب الرئيس الحلبوسي دوراً متقدماً في ضبط التوازنات بين إيقاع النفوذ الإيراني المتجدد، والدور التركي الفاعل، خاصة بعد تحولات ما بعد أكتوبر 2023.
ورغم أن هذه التوازنات تمنحه "جدار حماية" فإن فريقه يدرك أن لا ضمانات دائمة في النظام السياسي العراقي، وأن "الاستعداد للضربة المقبلة" هو جوهر البقاء.

أخر الأخبار

الأكثر قراءة