ما بين ثقب الأوزون و"داعش" وكورونا

إذا اندلعت النار توحّد رد فعل الكائنات الحية، كلها تلجأ إلى الهرب، الخوف يرفع شعار: أنا ومن بعدي الطوفان، فالمأزق يشل عقل البشر، كما تغيب البديهيات عنه. لعل لهذا تعمّ نظرية المؤامرة، لتفسير ما يعصى، لكن هناك أيضاً مثلما رأسمالية الكوارث من يغذي نظرية المؤامرة ليخفي أغراضه، وأهمها التكسب من كل جائحة.

البشرية خلال العشرية الثانية من القرن الأول من الألفية الثالثة، في مأزق تمثل عند الأغلبية، في برمودا مثلث الرعب: ثقب الأوزون، "داعش"، كورونا. وفي الجانب الآخر التفسيري، قد يكون النموذج الترمبي أيقونة لعقلية المؤامرة، فقد اعتبر: ثقب الأوزون مسألة غير حقيقية، أما "داعش" رمز الإرهاب الدولي ما ولّد ما سمي الإرهاب المحلي بعد واقعة الكابيتول، أما "داعش" فمن صنع الإدارة الأميركية السابقة لمجيء ترمب، أي باراك أوباما ووزيرته هيلاري كلينتون، فيما كورونا صناعة صينية ستستلزم الرد، فيما سماه الرئيس الصيني بعودة "الحرب الباردة".

كما أكدنا، أن المأزق أرض خصبة لهكذا نموذج، ومن دواعي هذه الخصوبة العجز، فتردي الحال، ما تعيشه البشرية من تهديد لوجودها في الوقت الحالي. وفي هذا المناخ نجد أن عودة "داعش" ليتصدر الإعلام الغارق في محيط كورونا، فيما انتشرت الحرائق في الغابات الكبرى، حتى كان عام 2020 من أعلى السنوات حرارة، بحسب خبراء المناخ. لكن قبل هذا وذاك، هناك إجماع ومقاربة ما، توكد أن هذا المثلث برمودا البشري، صناعته البشرية أرادت أو لم ترد ذلك، ومن هنا جاءت نظرية المؤامرة، كتعبير عن العجز أو التكسب.

وقد يقول قائل يمكن فهم العلاقة بين الأوزون وكورونا، باعتبار أنهما فعل فاعل في الطبيعة، فما لزوم حشر "داعش" في القيامة الآن؟ أولاً وأخيراً الجامع منطقي إذ كلها من أثر الفعل البشري، وهناك إجماع على أن المصائب الثلاث يجمعها الزمان والمكان، حتى عدّ "داعش" مسألة أولى، فالإرهاب دولي، وعدّت العدة والعتاد ضده فما يشبه الحرب العالمية الثالثة؟ وإن سبق ثقب الأوزون "داعش" فلم ينل ما نالت حرب الإرهاب من إجماع، إذ في مسألة الأخير مآرب آخر، فيما الأوزون يحتاج إلى وقفة واحدة ودفع سخي، أما كورونا فكانت الوتد القاطع في مثلث فيثاغورس، وهنا عمّ التباين والشقاق، الفيروس كان المسبار الكاشف عن أن البشرية عند المأزق يعودها الفكر البري ما وضحه ليفي شتراوس، فتفسّر الظلام بالظلام، وتتكالب على الكمامات، وكالكلاب المسعورة تنهش اللقاحات.

هذا المأزق البرمودا البشرية، كما خصبت نظرية المؤامرة والتكسب منها، أحالت البشر على الشارع كمتمردين رافضين الحجر الصحي. وإذا كان التونسيون في الشارع منذ الربيع العربي، أي منذ عقد كما نعرف، فإن الهولنديين كما اللبنانيين ذهبوا إلى الشارع محطمين كل ما في طريقهم، يائسين من كل أمل، متوجين اليأس كمتراس ثوري، على الرغم من أن الهولندي لم يعرف مسغبة منذ الحرب الكبرى الثانية. هكذا عُمّمت نظرية المؤامرة لتفسير ما لم يفسر بعد، واعتبر الشارع طريقة لمواجهة كورونا، تاج جوائح بشرية أخرى.

ثالوث الجوائح، الصليب الذي يحمله إنسان الآن وهنا، على كتفه، بديلاً لرأسه، ما فقد في هذه الحروب الدولية، ما تهدد البشرية وما يواجهها البشر بالمزيد من الانقسام. وفي سيناريو فيلم برمودا البشري بانت الأمم المتحدة ومنظماتها كما خيال مآته لعصبة الأمم، فيما اجتاح هوليوود/واشنطن غزوة الكابيتول/ "داعش" المحل، ما وضح وصبغ الانقسام الدولي، فجعله عصفاً موكولاً، نمّى وخصّب الانقسام الداخلي الأميركي، وفسرت النظرية الترامبية ذلك بتزوير الانتخابات.

المأزق، جعل من أسوار القرون الوسطى طريقة، فلمَ لا تكون نظرية المؤامرة، النظرية، التي ستبرر لماذا طريقة الانغلاق، ولماذا وجد البشر الوسيلة للهروب من الحجر إلى الشارع، وفيما القادة يتخبطون في ظلام كورونا أصاب جنونها العلماء، وفي هذه الغابة لا غاية واضحة جلية، التجلي يبدو كما تخفّي الأطفال في لعبة الاستغماية.

الخطر المحدق، جعل البشر ناساً من ورق، كورق الخريف يتساقطون. فيما لسان حال العصر السيبراني: أن سقيفة البيت الأبيض في يوهان، أما هارلم، فإنها حديقة الكرملين الخلفية. وفي هذا العالم، البشرية ابنة نوح ولا عاصم يؤويها غير سفينة واحدة، كما أسطورة نوح. نعم|، الإنسان بحاجة إلى أسطورة النجاة الجمعية دائماً، وأكثر ألحاحاً الآن وهنا.