هذه أوجه الشبه البشعة بين جونسون وترمب
- 2-12-2020, 15:39
- 4109
مع قراءتي كتاب الجمهوري السابق، المؤثر ستيوارت ستيفنز المعنون "كله كذب بكذب، كيف صار الحزب الجمهوري دونالد ترمب"، ويمثل مراجعة نقدية قاسية للوضع الذي بلغه هذا الحزب في ظل ترمب، وجدتني أطرح سؤالاً عن مدى انطباق ما يورده الكتاب على بوريس جونسون وما صنعه في حزب المحافظين؟
نعم، نعم. أدرك أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة ليستا "دولتين باعدت بينهما لغة مشتركة" ومن المضحك أن ندعي أننا كذلك. إن السياقات السياسية والثقافية (في البلدين) مختلفة للغاية عن بعضها بعضاً.
غير أن هذا لا يغير حقيقة أنه لطالما جرى تبادل للأفكار عبر الأطلسي بين أحزاب يمين الوسط في البلدين، ووجود توازٍ مقلق بين صعود ترمب وإذلال الحزب الجمهوري العريق، وبين صعود جونسون وإذلال حزب المحافظين.
ويشكل ستيفنز جزءاً من "مشروع لينكولن" الذي يضم فريقاً صغيراً من الجمهوريين ممن لم يرقْ يوماً لهم ترمب، وقد شنوا بعض أشرس الهجمات على الحزب في الفترة السابقة على الانتخابات. يتتبع ستيفنز جذور "الترمبية" ويسأل عما إذا كان ترمب، أو شخص آخر مثله، قد كمن دوماً في نهاية المسار، إذا أخذنا بعين الاعتبار توجه الحزب الجمهوري.
إنه صادق بشأن دوره فهو ما يبعث على الحماس. مثلاً، يعود بنا ستيفنز إلى حملته الأولى في ولاية "ميسيسبي" التي كانت حينئذ معقلاً للحزب الديمقراطي. قد أبرزت الإعلانات التي أعدها (ستيفنز) مرشح أميركي مستقل من أصول أفريقية، بهدف تنبيه الناخبين السود إلى وجوده وانتزاع أصواتهم من خصمه الديمقراطي. ونجحت الخطة.
وكذلك يبقى فشل الجمهوريين في تفهم العداء الذي يكنه لهم الأميركيون من أصول أفريقية موضوعاً قيد النقاش. بين دفتي الكتاب (يشير ستيفنز إلى أنهم رفضوا مواجهة حقيقة أن سياساتهم شكلت مصدراً أساساً لمشكلة حزبهم مع تلك الفئة). لقد عمدتُ إلى تنحية هذا الموضوع جانباً أول الأمر، حين شرعت بإجراء المقارنة (بين ترمب وجونسون وبين حزبيهما) في ذهني، وذلك بسبب اختلاف السياق. والحق أن المحركات الدافعة لـ"استراتيجية الجنوب" السيئة الصيت التي تبناها نيكسون، والعزل العنصري، وقوانين جيم كرو للولايات الكونفيدرالية السابقة، والصراعات التي شهدتها ستينيات القرن العشرين في إطار السعي إلى نيل الحقوق المدنية، لاوجود لها كلها في السياق البريطاني.
ولكنني بعد ذلك قضيت بعض الوقت منغمسا بأشعار جناح اليمين البريطاني، التي يفيض بها موقع "تويتر". ومن هناك، توجب علي أن أمضي للاستحمام بمياه الحياة الحقيقية. وقد أوضح هذا التمرين الذي لا يبعث على الحبور، وجود علاقة متبادلة بين هذين الشيئين المنفصلين.
ثمة عديد من المحافظين المستعدين مثلاً لإضرام نيران الإسلاموفوبيا (رُهاب الإسلام) إما بتأجيجها علناً، أو من خلال رسائل مشفرة أو مملوءة بإيحاءات موجهة إلى فئات معينة تقدرها. لقد فعل ترمب ذلك، غير أن نسخة حزب المحافظين البريطاني من الإسلاموفوبيا، التي يرفض قادته الاعتراف بها في وقت ينتقدون فيه بكل إيمان متاعب حزب العمال بسبب العداء للسامية، يمكن وصفها (النسخة البريطانية) بأنها أكثر تطوراً وفساداً من نظيرتها الأميركية.
ويستغل الطرفان المعارضة الشرسة نفسها للهجرة، ولو كانت هجرة شرعية، كغطاء رقيق للعنصرية التي يكاد لا يسترها. وأدى هذا الغطاء دوراً مهماً في الحملة المؤيدة لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، التي هيمن عليها جونسون وحلفاؤه. ولعلك تذكر الملصق الدعائي الذي استعمله نايجل فاراج بعنوان "متخمون تماماً" full up. أنا أعرف بالطبع أن ذلك الملصق لم يكن من بضاعة حزب المحافظين. وفاراج ليس عضواً في ذلك الحزب. بيد أنه ساعد في جره كي يمضي على خطى الحزب الجمهوري، وخدم أيضاً كمساند خارجي مناسب لجونسون في حملة "صوتوا للخروج" بفضل استعداده للإفصاح عما لا يريد المحافظون قوله خشية تخويف الناخبين الأكثر اعتدالاً وتنفيرهم.
دعنا لا نخدع أنفسنا. لدى المحافظين بعض "المظالم الخاصة بالبيض" التي ينتقد ستيفنز بشدة نسختها الموجودة في أوساط الجمهوريين، وقد تحولت إلى أسلحة فعالة في ظل جونسون، الذي تتجلى في أعمدته الصحافية السابقة لغة عنصرية فجة.
من الرحمة أن بريطانيا ليس فيها شيء يشبه تيار اليمين المتدين في أميركا، مع ما يعرف عن احتضانه المنافق قادة يعانون عيباً جوهرياً يؤدي إلى سقوطهم في النهاية، ممن يعظون الآخرين بالعمل طبقاً لما يقولون وليس بحسب ما يفعلون، وقد ارتكبوا أبشع الخطايا التي غفرها لهم أتباعهم، في عملية بلغت ذروتها مع ترمب.
في المقابل، ضحى المحافظون بالتأكيد ببعض مبادئهم المفترضة على مذبح النفعية وبغرض الفوز. ويهاجم ستيفنز الجمهوريين من أنصار ترمب لأنهم فعلوا الشيء نفسه.
لقد صوبوا نيرانهم ضد الحصون المؤسسية التي تجعل من بريطانيا الدولة التي نعرفها، إذ استهدفوا سلك الخدمة المدنية، و"هيئة الإذاعة البريطانية" "بي بي سي"، والاتفاقات الدولية التي أبرمتها البلاد، ونظام المحاكم. وكذلك سعى ترمب إلى كسب النظام القضائي إلى جانبه من خلال تعيين قضاة محافظين. ويملك جونسون خططاً ترمي ببساطة إلى تهميش السلطة القضائية بهدف حماية الوزراء من المراجعات القضائية. هكذا يبدو أن سيادة القانون قابلة للتطبيق على الضعفاء وحدهم.
ومن خلال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تخلى حزب طالما زعم أنه ملتزم تشجيع التجارة الحرة، عن أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم كله. وبات الاتحاد بين مكونات بريطانيا الأربعة معلقاً بخيط رفيع يشدها إلى بعضها بعضاً. وقمع الناخبين مدرج في سياق خطط ستوضع قيد التنفيذ، بهدف سن قوانين تحاكي قوانين هوية الناخبين التي طرحها الجمهوريون، وقد وردت تفاصيلها في خطاب الملكة العام الماضي.
هل أتابع على المنوال نفسه؟ يتعرض الجمهوريون المعتدلون الذين يمثلون عملة نادرة، إما للمنافسة في الانتخابات التمهيدية بغرض إخراجهم أو إخضاعهم، أو يجري تجاهلهم إذا كانوا يتمتعون بشعبية كبيرة كما في حالة حكام الشمال الجمهوريين. وقد طرد جونسون المحافظين المعتدلين العقلاء من الحزب بلا رحمة في البرلمان السابق.
وجونسون ليس مهيمناً كترمب. هل ترغب أن تصبح نائباً عن حزب المحافظين؟ حسناً، يجدر بك أن تؤيد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي أولاً، لكن هناك مزيداً من الجدل حول قضايا أخرى. وعلى الرغم من أنه يتمتع بأغلبية تزيد على 80 مقعداً في مجلس العموم، فقد تعرض جونسون لبعض المتاعب مع نوابه العاديين، ممن لا يؤدون أي وظيفة حكومية أو حزبية. وجاءت تلك المتاعب أحياناً من أولئك الذين يقفون إلى يمينه في الحزب، على غرار معارضة القيود المفروضة بسبب فيروس "كوفيد". وخلافاً لترمب الذي بالكاد لديه جمهوريون أكثر يمينية منه، لا ينكر جونسون وجود الفيروس.
لقد اقترض وريشي سوناك، وزير المالية في حكومة جونسون، الكثير خلال الجائحة، كما اتخذ تدابير على شاكلة "مخطط الاحتفاظ بالوظائف" Job Retention Scheme، الذي لايمكنك أن تتصور أن الحزب الجمهوري قد يفكر فيه.
وأخيراً، لاحت على سوناك علامات القلق من الديون التي راكمها، حتى أنه يفكر في رفع الضرائب. لقد أسقط الحزب الجمهوري بقيادة ترمب من حسابه ولعه المفترض بالمسؤولية المالية، على الرغم من أنه قد يعود إلى سابق عهده مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. إذ تمثل زيادة الضرائب لعنة بالنسبة إلى الحزب الجمهوري، بل يوقع ممثلوه بصورة روتينية "تعهد حماية دافع الضرائب" الذي صاغه غروفر نوركويست، وهو السياسي الجمهوري والناشط الداعي إلى خفض الضرائب.
وتأتي بعض مشاكل جونسون مع حزبه من الفئات الأكثر ليبرالية فيه. ولا يمكنك توقع أن أياً من المسؤولين الجمهوريين مستعد للاستقالة هذه الأيام احتجاجاً على خفض ميزانية المساعدات الخارجية، على غرار ما فعلته البارونة سوغ Baroness Sugg هذا الأسبوع. وكذلك لا تستطيع أن تتخيل اندلاع حالة من الهيجان فيه بسبب رفض تقديم وجبات مجانية إلى طلاب المدارس خلال فترات العطلة، وفق ما حصل هنا.
كثيراً ما يقال إن حزب المحافظين قد أُفرغ من محتواه على يد جونسون. لكن مع ذلك، تدل الوقائع الآنفة الذكر أن فيه حتى الآن هامشاً أكبر للاختلاف في الرأي وتعدد المواقف، مما لدى نظيره على الضفة الأخرى للأطلسي.
في المقابل، لا يجعل ذلك الأمر قراءة كتاب ستيفنز في السياق البريطاني، أقل إشكالية. ولا يبعث التفكير في التشابهات الموجودة على البهجة.
ولعل المقطع الأشد إثارة للقلق في الكتاب يبدأ حين يقارن ستيفنز سلوك ترمب مع علامات التحذير السلوكية الأربع، التي تدل على الشخصية الاستبدادية التي اقترحها مؤلفو كتاب "كيف تموت الديمقراطيات".
وتشمل تلك العلامات رفض القواعد الديمقراطية للعبة قولاً أو فعلاً، وإنكار شرعية الخصوم، وتقبل العنف أو تشجيعه، والاستعداد لمصادرة الحريات المدنية للخصوم بما في ذلك وسائل الإعلام.
ويشير ستيفنز إلى أن العلامات الأربع تتجلى في سلوك ترمب. والأدلة التي يقدمها على ذلك مقنعة. وأعرب معلقون أميركيون عن قلقهم من أن خليفة أكثر كفاءة من ترمب قد يستطيع خنق النظام الديمقراطي في البلاد بسهولة. ولا يزال حصول ذلك ممكناً.
لا أستطيع أن أدافع بشكل قاطع عن اتهامات مماثلة لجونسون، على الرغم من أنه ارتكب أخطاءً بالتأكيد، وكذلك فإن بعض سلوكه وأفعاله وخططه وأوجه التشابه بينه وترمب، تبعث كلها القشعريرة في النفس.