تصعيد أمني متعمد لتأجيل الانتخابات المبكرةّ

هل للتصعيد الأمني علاقة بالانتخابات المبكرة في العراق؟


سؤال ربما لم ينتبه له الكثير منا، لكن في قراءة دقيقة للاحداث وتصريحات المسؤولين نستنتج ان هذا التصعيد الأمني ما هو الا محاولة من قبل بعض الكتل السياسية التي تخشى الانتخابات المبكرة لتدعو الى تأجيلها بحجة ان الوضع الأمني غير مستقر.


فالاحداث تشير الى انه وللأسبوع الرابع على التوالي، تشهد العاصمة بغداد ومدن مختلفة، لم تعد تقتصر على شمال البلاد وغربه، بل امتدت إلى أقصى الجنوب والوسط، تصعيداً أمنياً ملحوظاً في التفجيرات والهجمات الصاروخية.


المراقبون للشأن السياسي يشيرون الى انه لا يمكن فصل هذا التصعيد الأمني عن الموعد الذي اقترحه الكاظمي للانتخابات المبكرة وهو شهر حزيران المقبل، حيث عمد بعض السياسيين الى التصعيد الطائفي والمناطقي في تصريحاتهم، رافق ذلك توجيه الاتهامات الى الكاظمي بحجة انه فشل في إدارة الملف الأمني مما ادى ذلك الى ازدياد حالات الفوضى في البلاد.


وكل ذلك لاجل القول، بان الوضع الأمني لا يسمح باجراء الانتخابات المبكرة، فهذا النائب حسن شاكر الكعبي، رئيس كتلة "بدر" في البرلمان قال إن "العراق اتجه إلى الفوضى في عهد الكاظمي"، مضيفاً أنه "لا يوجد استقرار أمني أو سياسي في عهده، والفوضى أصبحت أكثر من السابق"، مشدداً "على هذه الحال لا يمكن تحديد موعد لإجراء الانتخابات".


لكن مسؤولا عسكريا رفيعا في قيادة العمليات المشتركة كان اكثر صراحة حينما قال بأن جزءاً من التصعيد الأمني لا يمكن اعتباره سوى أنه "مفتعل ومقصود ضد الحكومة"، مضيفا أن الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية أو قوات التحالف والمنطقة الخضراء، وحتى الناشطين والمتظاهرين هي في الحقيقة "هجمات موجهة ضد الحكومة ورئيس الوزراء الكاظمي بالدرجة الأولى، كما أنها قد تعتبر معرقلا خطيرا أمام إجراء الانتخابات المبكرة، خاصة أن هناك من يعتبر إجراءها تحت انتشار سلاح المليشيات غير صحيح، ولن تكون انتخابات نزيهة".


وهذا الانفلات الأمني الذي يتخذه البعض حجة لعدم إمكانية اجراء الانتخابات المبكرة، نلمسه في تصريحات عدة مسؤولين من كتل مختلفة، فالحزب الديمقراطي الكردستاني بمجلس النواب الحالي اصدر بيانا جاء فيه أنه "يحب ان تجرى الانتخابات بظروف مهيئ لها مسبقا وليس في الظروف الحالية السيئة التي يمر بها العراق لاسيما وأن هناك معوقات كثيرة لم تحسم حتى الان منها قانون الانتخابات وقضية الدوائر".


وأضاف البيان، أنه "من الناحية الواقعية فأن قضية حصر السلاح بيد الدولة الصعب جدا والفلتان الامني في جميع محافظات وسط وجنوب العراق معوقات رئيسة لا تعطي للناخب الثقة بالانتخابات بان تكون نزيهة اضافة للدعم المالي واخرى من البايومتري والاقضية وامور اخرى يعتقد من الصعب التكهن".


وكذلك لحال مع ما ذكره مقرّر اللجنة القانونية في مجلس النواب يحيى المحمدي حيث قال أن "خطة الحكومة في توفير البيئة المناسبة للانتخابات غير واضحة لغاية الآن".


وأضاف المحمدي، أن "الدولة لا تسيطر على الوضع الأمني في اغلب مناطق البلاد، وهو أمر واضح مع انتشار السلاح لدى الخارجين عن القانون"، مردفا أن "هذا الوضع المنفلت يعطي علامات استفهام كبيرة حول إمكانية إجراء انتخابات من دون تأثيرات لاسيما من الجهات التي لديها السلاح".


وليس الانفلات الأمني هو العائق الوحيد في إمكانية اجراء الانتخابات، اذ ان هناك خلافات حادة بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية، فقد كشف مسؤولون عراقيون أن تقاطعات كبيرة برزت في الأسبوعين الماضيين، بين البرلمان وحكومة مصطفى الكاظمي تدفع باتجاه صراع فرض إرادات، ما قد يؤثر على عمل المؤسستين اللتين تحتاجان إلى تفاهمات عاجلة لتمرير قوانين مهمة تحتاجها البلاد للمضي بمشروع الانتخابات المبكرة على وجه الخصوص، مؤكدين أن كتلا سياسية تسعى لتوجيه البرلمان نحو التمرد على الحكومة من خلال تعطيل تفاهماتها الخارجية.


وتعمقت حدّة الخلاف بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية، عقب تحديد الكاظمي موعداً لإجراء الانتخابات المبكرة من دون الرجوع للبرلمان الذي لم يستطع تمرير قانون الانتخابات والقوانين المرتبطة به حتى الآن، ما تسبب بتشنج بين المؤسستين، ومحاولة كل منهما إلقاء الكرة في ساحة الأخرى.


عضو نيابي قال إن "القوى السياسية التي ترفض تحركات الكاظمي بشكل عام، تحاول استغلال وجودها في البرلمان للتمرد عليه"، مبيناً أن "ما يجري خلف الكواليس هو أشبه بالحرب الباردة بين الجانبين، فالبرلمان لا يقبل بموعد الانتخابات الذي حدّده الكاظمي، كما يريد أن تجري التفاهمات والاتفاقات الدولية من خلال البرلمان الأمر الذي يدفع باتجاه التصعيد بينهما".


وأكد أن "تأزم العلاقة بين البرلمان والحكومة سيدفع باتجاه تعطيل عمل الدولة، والتي تحتاج لأن تكون هناك تفاهمات بين المؤسستين، وأن يكون عمل كل منهما مكملاً للآخر".


ومن امثلة تشنج العلاقة بين الحكومة والبرلمان هو هجوم لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان على الكاظمي حيث عدّت اتفاقياته الأخيرة غير ملزمة للعراق، ما لم يتم التصويت عليها في البرلمان.


وقال عضو اللجنة، عامر الفايز إن "الحكومة مطالبة بإرسال محاضر جميع التفاهمات والاتفاقيات إلى البرلمان، من أجل الاطلاع عليها وتحديد موعد للتصويت عليها في البرلمان"، مشدداً على أن "العراق لن يلتزم بأي تعهد قدمه رئيس الحكومة خلال القمة الثلاثية أو خلال زيارته واشنطن، من دون أن يمرر في البرلمان بحسب القانون".


 ولم تتوقف العلاقة المتشنجة عند هذا الحد، اذ اعتبر تحالف الفتح أن ضعف إدارة الكاظمي للدولة، يضعه أمام الاستجواب برلمانياً، وأن بعض القوى تتوحد رؤيتها لتقويم عمل حكومته.


وبهذا الخصوص قال النائب عن التحالف، وليد السهلاني إنّ "كل لجنة من اللجان البرلمانية لها الحق قانونياً بمتابعة عمل عدد من الوزارات ضمن تخصصها، وإن الاستجواب للوزراء هو عملية تقويم ووضع المعالجات لعمل الوزارات، لا سيما المتلكئة ببرنامجها الحكومي، والتي تحتاج الى التقويم"، مبيناً أن "الاستجواب شكل من الأشكال القانونية وهو حق دستوري للبرلمان".


واذا ما عدنا الى نقطة بداية تشنج العلاقة بين الحكومة والبرلمان، فنستطيع القول انها بدأت مع تحديد الكاظمي موعدا للانتخابات المبكرة، حيث رفض الحلبوسي رئيس البرلمان هذا الموعد داعيا الى انتخابات "ابكر"!


الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني أوضح أن الشد والجذب بدأ أولاً بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وأن "القوى المعارضة للكاظمي التي تمثلها كتلتا ’الفتح‘ و’دولة القانون‘ تجد في هذا الأمر نقطة لصالحها وقد تحاول استخدام الحلبوسي في ضرب بعض الخطوات والقرارات التي تقدم عليها حكومة الكاظمي".


ورأى أن "المشهد العراقي سياسياً مقبل على أحداث وتطورات سريعة خلال الأشهر المقبلة وقد تعتبر هذه الفترة نقطة تحول عراقية ولو بشيء بسيط في مشهد العملية السياسية والفضل الوحيد لكل هذه الإفرازات والتطورات هو الشارع العراقي المتظاهر".


في المقابل، تزداد وتيرة التصريحات الطائفية، والتي تحمل تحريضا على مناطق معينة دون غيرها، في تحشيد واضح يعيد إلى الأذهان انتخابات عام 2010. 


المتحدّث باسم جبهة الإنقاذ والتنمية، عبد الكريم عبطان، ربط بين حملات التحريض والاستعداء ضد مناطق أو مواقف معينة، واستدعاء البعد الطائفي، بإجراء الانتخابات، محذرا من تداعياتها على استقرار البلاد.


وقال عبطان إن "هذه الحملات تثير القلق وتعكر جو الأمن، وهناك تصاعد فيها، ويجب وقفها"، مؤكدا أن "مناطق حزام بغداد، كمدينة الطارمية وغيرها التي استهدفت أخيرا في تلك الحملات، كانت مناطق غير مستقرة أمنيا، لكن متابعة المنطقة بشكل مباشر من قبل الكاظمي أسهم أخيرا باستقرار نسبي فيها". 


الخبير القانوني طارق حرب وضع النقاط على الحروف حينما قال "ان بعض النواب يعملون على تأخير موعد الانتخابات قدر الإمكان"، مؤكدا ان موقف النواب المعارض للانتخابات المبكرة هو دليل خشيتهم من فقدان مقاعدهم، ورغبتهم في البقاء فترة أطول بالبرلمان، في وقت يغلي فيه العراق على صفيح ساخن في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح البلاد منذ تشرين الأول الماضي، والتي كان أحد مطالبها الرئيسية تغيير قانون ومفوضية الانتخابات والقضاء على الفساد والبطالة.


واذا اضفنا لتدهور الوضع الأمني الذي يتحجج به البعض لاجل تأجيل الانتخابات المبكرة، فان هناك أمور أخرى لا تقل أهمية عن ذلك منها عدم اتفاق الكتل السياسية على الدوائر المتعددة في قانون الانتخابات (غير المكتمل) لغاية الان، إضافة الى ان المحكمة الاتحادية تعاني من مشكلة كبيرة وهي عدم اكتمال عدد أعضائها التسعة بعد تقاعد احدهم، في وقت فشل فيه البرلمان بإقرار قانون المحكمة الاتحادية!


 ولاجل كل ذلك أكد عضو مجلس النواب اسعد المرشدي وجود مخاوف سياسية وشعبية من عدم اجراء اي انتخابات في العراق.


وقال المرشدي ان "هناك مخاوف سياسية وشعبية من عدم اجراء اي انتخابات في العراق، لا المبكرة ولا الاعتيادية، بسبب تعطيل عمل المحكمة الاتحادية العليا، فدون وجود هذه المحكمة لا يمكن اجراء اي انتخابات، فهي الجهة المخولة في المصادقة على نتائج الانتخابات".


وبعد كل ذلك، ووسط هذه الخلافات، من سيضمن ان تكون هناك انتخابات مبكرة، سواء في حزيران المقبل، او حتى نهاية العام المقبل؟