الغموض يكتنف المحادثات العراقية اللبنانية المتعلقة بزيت الوقود

نعوم ريدان

على الرغم من تفاقم الأزمة المالية في لبنان، لا يزال السياسيون مصرين على اتخاذ الإجراءات المؤقتة نفسها التي لطالما أثقلت كاهل قطاع الكهرباء المتداعية في البلاد. ويواصل المسؤولون اللبنانيون تجاربهم للحلول المجتزأة ذاتها في قطاع الطاقة الذي لطالما شكل عبئًا على موازنة الدولة.

ومن بين الخطط الأكثر إثارة للجدل، محاولة الحكومة اللبنانية استيراد زيت الوقود من العراق. وإذا ما استثنينا عدم ملاءمة هذا النوع من الوقود لتشغيل محطات توليد الكهرباء في لبنان، الأمر الذي يرجع جزئيًا إلى محتواه العالي من مادة الكبريت، فإن المحادثات بين بغداد وبيروت بشأن إمدادات الوقود تكتنفها تصريحات متناقضة وغير دقيقة من حيث الوقائع.


كيف بدأت المحادثات حول الوقود؟

في يوليو/تموز2020، زار وفد عراقي العاصمة اللبنانية لبحث إمكانية تزويد لبنان بفائض زيت الوقود.

لكن ثمة مشكلة هنا: زيت الوقود العراقي لا يلائم محطتي الطاقة الرئيستين في لبنان، تحديدًا محطتي الذوق والجية اللتان تُشغلان بواسطة زيت الوقود الثقيل(HFO). وبحسب تقارير شركة استخبارات البيانات كيبلر (Kpler) إن شحنات زيت الوقود التي يتم تصريفها إلى المنشأتين الساحليتين تأتي عادة من الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا.

غير أن المشكلات الفنية والبيئية المحتملة التي يمكن أن تنجم عن استخدام زيت الوقود غير المناسب في محطتي الطاقة لم تمنع الجانبين من المضي قدمًا في المحادثات. وركزت المفاوضات في بادئ الأمر على مقايضة الوقود العراقي بالمنتجات الزراعية اللبنانية. وفي مرحلة لاحقة، انضم مدير عام الأمن العام في لبنان عباس إبراهيم، الذي يصفه البعض بـ "عراب الصفقات"، إلى طاولة المفاوضات. وكان الهدف من هذا الاقتراح هو الحفاظ على احتياطيات لبنان المحدودة من العملة الصعبة، لا سيما وأن الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 85٪ من قيمتها منذ أواخر عام 2019.

وبعدها فجع لبنان بانفجار ضخم هزّ مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب [2020] وأسفر عن مقتل أكثر من 190 شخصاً وجرح الآلاف، وأوصل العاصمة اللبنانية إلى حالة يرثى لها.

وبعد أربعة أشهر، زار بغداد وفد لبناني برئاسة وزير الطاقة ريمون غجر، وبدلاً من وضع اللمسات الأخيرة على صفقة المقايضة، أُجريت المزيد من المحادثات حول تزويد لبنان بزيت الوقود، لكن هذه المرة مقابل العملة الصعبة بحسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة النفط العراقية.

على صعيد آخر، تبين أن فائض زيت الوقود في العراق يشكل تحديًا لبغداد حيث شهدت خطط تطوير قطاع التكرير تأخيرات متعددة خلال السنوات الأخيرة. وبحسب ما أفادت سارة رفّول، كبيرة مراسلي سوق النفط في آرغوس ميديا (Argus Media) ، يقوم العراق عادة بتصدير زيت الوقود من نوع(SRFO) إلى مصافي التكرير في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما أشار مصدر من كيبلر إلى أن "السوق هو الذي يحدد الوجهة الأخيرة [لزيت الوقود العراقي]، بسبب بعض المسائل الهيكلية، كالجهة التي لديها طلب على زيت الوقود (SRFO)، ومسائل تتعلق بالسوق مثل اقتصاديات المراجحة."

وبالإشارة إلى زيت الوقود العراقي (SRFO)، الذي يحتوي على نسبة تركيز عالية من الكبريت تصل إلى حوالي 4 بالمئة، فإنّ فائدة بيعه إلى المصافي هي أكبر بالمقارنة مع ]بيعه[ إلى محطات الطاقة كتلك الموجودة في لبنان. وبحسب ما أفاد مصدر آخر في صناعة النفط لموقع أمواج.ميديا، "يعتبر هذا الزيت تغذية جيدة للمصافي لأنه قابل للتحسين." فهذا النوع من زيت الوقود هو نتاج وحدة التقطير الجوي التي تعد منشأة الفصل الأولية في أي مصفاة تفتقر إلى تقنية التحديث. وإذا تعذرت معالجة زيت الوقود في مرحلة ما بسبب نظام المصفاة، يتم بيعه عادة إلى مصافي تكرير أخرى أكثر تطورًا قادرة على استخراج منتجات عالية القيمة منه، مثل البنزين والمقطرات.

أما الأهم من ذلك، فهو ضرورة الأخذ في الاعتبار أن صادرات زيت الوقود العراقي قد أصبحت خاضعة للرقابة المشددة، خاصة بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوباتها على إيران في عام 2018، إذ زعمت عدة تقارير أن زيت الوقود الإيراني قد تم تسويقه على أنه عراقي، على الرغم من نفي شركة تسويق النفط العراقية (سومو) هذه الادعاءات في فبراير/شباط الماضي.


تصريحات محيرة ومحادثات مسيسة

وافق مجلس الوزراء العراقي في الثاني من فبراير/شباط على تصدير نصف مليون طن من زيت الوقود سنويا إلى لبنان لتوليد الكهرباء. أثار هذا الإعلان الحيرة حيث أشار وزير الطاقة اللبناني في اليوم التالي إلى أن الوقود العراقي "لا يتطابق مع احتياجات لبنان المحددة." كما أضاف أنه يمكن لـــ "شركة عراقية أن ترتب لمقايضة نوع آخر من الوقود أكثر ملاءمة"، لكنه لم يقدم المزيد من التفاصيل.


ولا تنتهي الطبيعة الغامضة للصفقة عند هذا الحد.

ففي 1 أبريل/نيسان، عقب اجتماع آخر في بيروت مع وفد عراقي زائر أتى لمناقشة عملية مقايضة زيت الوقود بخدمات طبية، غرّد الرئيس اللبناني ميشال عون قائلًا إن العراق سيوفر النفط الخام للبنان. لكن هذا التصريح أيضًا افتقر إلى الدقة، إذ أن لبنان ليس مستوردًا للنفط الخام بسبب افتقاره إلى القدرة على التكرير. والجدير بالذكر هو أنه لم يصدر أي تصحيح فيما بعد. من جانبها، أوضحت وزارة النفط العراقية أن الصفقة كانت تتعلق بزيت الوقود [وليس النفط الخام]، ويبدو أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود منذ ذلك الحين.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أفادت وسائل إعلام لبنانية عن زيارة مرتقبة لرئيس حكومة تصريف الأعمال [اللبنانية] حسان دياب إلى بغداد لتوقيع الاتفاق. لكن بما أن دياب استقال في أغسطس/آب 2020 ويترأس حاليًا حكومة تصريف أعمال، فإن مثل هذه الصفقات وإن وقعت، لن تكون ملزمة وقد لا تستمر عقب تولي حكومة جديدة للسلطة.

غير أن هذه الزيارة لم تتم قط، وذكرت بعض وسائل الإعلام أنها "أجلت من قبل الجانب العراقي للمرة الثانية بعد أن كانت مقررة في 10 أبريل/نيسان." وبحسب مصدر تحدث إلى أمواج.ميديا شريطة عدم الكشف عن هويته، لم يتم إخطار مكتب رئيس الوزراء العراقي بالزيارة المخطط لها وفقًا للبروتوكولات المعتادة.

وفي الإطار نفسه، نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية في 10 أبريل/نيسان عن أحد المصادر قوله إن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي "تعرض لضغوطات من قبل كل من رئيس الوزراء اللبناني المكلّف سعد الحريري والسعودية اللذان طلبا منه [الكاظمي] إلغاء الزيارة." وتأتي هذه المزاعم غير المؤكدة وسط جهود مكثفة بذلها الحريري، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الرياض، لتشكيل حكومة جديدة ليخلف دياب رسميًا كرئيس للوزراء.


ماذا بعد؟

لطالما كان قطاع الطاقة في لبنان العامل الرئيس الذي يساهم في اختلال التوازنات المالية، ذلك لأن القطاع يعتمد كليًا على واردات الوقود باهظة الثمن والدعم الحكومي. ووفقًا لتقرير البنك الدولي الذي نُشر العام الماضي، "ناهزت التحويلات السنوية من الميزانية إلى مرفق الكهرباء الوطني..... ما يقرب من نصف العجز المالي الإجمالي".

وعلى الرغم من الأزمة المالية الحادة التي تواجهها السلطات اللبنانية، لاتزال مصرّة على استيراد أنواع الوقود السائل. في الواقع، لم ترد أي إشارات حتى الآن إلى استعدادها [السلطات] لتبني إصلاحات تتطلب منها التحول إلى مصادر طاقة أقل تكلفة لتوليد الطاقة، كالغاز الطبيعي. لكن، تجدر الإشارة إلى أنه وخلال زيارة دياب الأخيرة إلى قطر، أفيد أنه ناقش مسائل مثل "الغاز ودعم السلع ... وغيرها من القضايا التي يأمل في الحصول على تمويل قطري لها." وتعد قطر بالفعل أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسيّل (LNG) في العالم. لكن لبنان في المقابل، لا يمتلك البنية التحتية اللازمة لاستيراد هذا النوع من الغاز.

ومع تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي في لبنان، من المرجح أن تواصل الحكومة البحث عن حلول مؤقتة، مستخدمة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة كذريعة لتبرير سياساتها. وتحضر في هذا المشهد محادثات العراقية-اللبنانية حول زيت الوقود التي ليست سوى مثال على تلك الإجراءات المؤقتة. لسوء الحظ بالنسبة للبنان، إنه المسار نفسه الذي اتبعته الحكومات السابقة، ما يمهد الطريق لمشاكل مالية معقدة على غرار تلك التي يواجهها لبنان اليوم.


المصدر: موقع أمواج.ميديا