أسبوعان أميركيان من الترقب

في الثالث من نوفمبر، أو ربما بعده ببضعة أيام، سيعرف الأميركيون وبقية العالم ما إن كان دونالد ترامب سيكون رئيساً لأربع سنوات أخرى، أو ما إن كان البيت الأبيض سيؤول في العشرين من يناير 2021 إلى جو بايدن. القول بأن هذه هي أكثر انتخابات أميركية إثارة للانقسام بات الآن عبارة مبتذلة، لكن القول بأن الرهان أكبر من أي وقت مضى بالنسبة لأميركا وأصدقائها وحلفائها، هو بكل تأكيد واقع بديهي وحقيقة لا مراء فيها. 
لدى دونالد ترامب الآن أقل من أسبوعين لقلب حظوظ حملة انتخابية باتت مثيرة للجدل على نحو متزايد بين مستشاريه وأنصاره. فهذا منظم استطلاعات الرأي «الجمهوري» فرانك لونتز، الذي يحظى بالتقدير والاحترام، وصف الحملة بأنها «الأسوأ التي يراها على الإطلاق»، وأنه ينبغي «توجيه تهمة سوء التصرف السياسي» لكبار مستشاري ترامب. وعلى سبيل المثال، فوسط موجة جديدة من فيروس «كوفيد-19»، تمتد إلى العديد من الولايات المحافظة في الغرب، قال ترامب في تجمعات انتخابية: إن الفيروس «تجاوز المرحلة الأسوأ»، وإنه سيتم إنقاذ البلد قريباً بفضل اللقاحات التي سيساعد على إيصالها إلى الجمهور بسرعة. وفي هذا السياق، قرر ترامب مهاجمة مستشاره الأكثر تميزاً بخصوص الوباء، الدكتور أنتوني فاوتشي. وقال: «إن الناس ملّوا وتعبوا من سماع فاوتشي وكل أولئك الأغبياء»، في إشارة إلى الجزء الأعظم من المجتمع العلمي. 
وبلغ غضب ترامب من فاوتشي أوجه، عندما ظهر هذا الأخير على برنامج «60 دقيقة» ذي الشعبية الواسعة، الذي يبث على قناة «سي بي إس»، في حلقته الثامن عشر من أكتوبر الجاري. إذ صرّح فاوتشي بأن الحفل الذي نُظم في البيت الأبيض من أجل الإعلان عن تعيين «إيمي كوني باريت» لتصبح مرشحةً لعضوية المحكمة العليا الأميركية، كان «بؤرة كبيرة لنشر الفيروس»، لأن لا أحد ممن حضروه مارس التباعد الاجتماعي، ولأن قلة قليلة فقط منهم كانت ترتدي كمامات. ومعلوم أنه عقب تلك الفعالية جاءت نتيجة فحص كوفيد-19 الذي أجري لترامب إيجابية، واضطر لتلقي الرعاية الطبية في المستشفى لثلاثة أيام. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 25 شخصاً ممن حضروا تلك الفعالية جاءت نتائج اختباراتهم إيجابية حتى الآن. 
وإمعاناً في مواقفه، يزدري ترامب الآن جو بايدن عبر القول بأنه إذا جرى انتخاب هذا الأخير، فسيصغي إلى العلماء بخصوص كيفية التعاطي مع كوفيد-19، وإنه يريد «إغلاق» الاقتصاد الأميركي. لكن حملة بايدن رحبت بهذه الانتقادات، وهي تعتقد أن الهجمات على فاوتشي والعلم والعلماء لا يمكن إلا أن تساعد مرشحها. 
ومن أجل سد الهوة في معدلات شعبيته في استطلاعات الرأي، يعوّل ترامب على أربعة أشياء يأمل أن تقلب موازين القوى. فأولاً، ستتيح المناظرة الرئاسية الأخيرة لترامب فرصة لإصلاح بعض الضرر الذي ألحقه بنفسه خلال المناظرة الأولى المُقامة في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي، إذ يعتزم إطلاق قائمة جديدة من الاتهامات ضد بايدن وابنه هانتر، بخصوص ما يُعتقَد أنها ممارسات فاسدة في أوكرانيا، عندما كان بايدن نائب رئيس وكان ابنه يعمل لحساب شركة طاقة أوكرانية اسمها «بوريسما». 
ثانياً، يَعتقد ترامب أن عودته النشطة إلى الحملة الانتخابية عقب مرضه، ستعبّئ قاعدة أنصاره وتضمن تصويتهم بأعداد قياسية في الثالث من نوفمبر. 
ثالثاً، يعتقد «الجمهوريون» أنهم جنّدوا عدداً قياسياً من الناخبين الجدد، وخاصة بين الشباب الذين سيشاركون في الانتخابات، ولن تردعهم عن القيام بذلك المخاوف بشأن كوفيد-19. ويأمل ترامب أن تكون لعبته على الميدان أكثر فعالية من لعبة «الديمقراطيين» الذين كانوا أكثر حذراً وتحوطاً في استطلاعات الرأي المباشرة التي تجرى وجهاً لوجه. 
رابعاً وأخيراً، تأمل الحملة الانتخابية أن يرتكب بايدن خطأ فادحاً أو زلة، قبل يوم الاقتراع، لإظهار أنه جد متقدم في السن وبعيد عن الشباب ولا يفهم همومهم ومشاكلهم.. على نحو لا يؤهله ليكون رئيساً. 
بيد أن المشكلة بالنسبة لترامب، هي أن أكثر من 40 مليون صوت أُدلي بها حتى الآن، سواء عبر البريد أو عبر التصويت المبكر على الميدان. وقد حطمت نسبة المشاركة في هذا التصويت المبكر كل الأرقام القياسية السابقة، ويعتقد «الديمقراطيون» أن حماس حملتهم والدعم المتزايد من قبل نساء الضواحي اللاتي صوتن لصالح ترامب في 2016، سيكونان كافيين لفوز مرشحهم، وخاصة بالنظر إلى الدعم القوي الذي يتمتعون به بين الأقليات والشباب الذين يؤمنون بالعلم وبخطر الاحتباس الحراري.


*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»