بغداد - IQ
أثارت وفاة طالبين من الكلية العسكرية الرابعة في محافظة ذي قار نتيجة تدريبات قاسية وغير مهيأة، موجة غضب شعبي ورسمي واسع، وسط دعوات برلمانية لمحاسبة المتسببين ومراجعة أساليب التدريب العسكري. وتحولت الحادثة إلى قضية رأي عام بعد شهادات صادمة من ذوي الضحايا ومصادر أمنية، كشفت عن ممارسات تنطوي على حرمان من الماء والطعام، وتجاهل تام للظروف الجوية القاسية.
مسؤولية مباشرة لرئيس الأكاديمية العسكرية
يرى مراقبون أن الحادثة تمثل خرقاً خطيراً للمسؤولية العسكرية، محمّلين الفريق الركن ناصر الغنام، رئيس الأكاديمية العسكرية العراقية، جزءاً من المسؤولية، وداعين إلى محاسبة جميع المتسببين فيما وصفوه بـ"الكارثة الإنسانية."
فتح تحقيق برلماني وتحركات عاجلة
أعلن أعضاء من لجنتي الأمن والدفاع والخدمات النيابية عن فتح تحقيق فوري في الحادثة، مؤكدين أن الإقالات التي طالت بعض الضباط غير كافية، وأن المحاسبة يجب أن تشمل كافة المستويات، من أجل الحفاظ على أرواح الطلبة وسمعة المؤسسة العسكرية.
ضربة شمس تودي بحياة طالب
قال مصدر أمني إن "الطالب المتوفى يدعى الحسين عصام السعدي، وقد توفي أثناء تدريبه في الكلية العسكرية نتيجة ضربة شمس".
وأوضح المصدر أن "السعدي كان طالباً في تخصص هندسة ميكانيك الطائرات، وتعرض لسلسلة من الممارسات القاسية من قبل المدربين، شملت الضرب والإجبار على الوقوف لساعات متواصلة تحت أشعة الشمس دون غطاء رأس، في ظل درجات حرارة مرتفعة".
محاولة فرار وعقوبات مضاعفة
وأضاف المصدر أن "عمليات تعذيب ممنهجة طالت المتدربين، وشملت حرمانهم من النوم والطعام، مع إرغامهم على تدريبات تفوق طاقتهم الجسدية". وأشار إلى أن "الطالب المتوفى حاول الفرار مع آخرين، لكنهم اعتقلوا وتعرضوا لعقوبات أشد قسوة".
تحرك رسمي من وزارة الدفاع
وزارة الدفاع بدورها اعترفت رسمياً بوفاة طالب وإصابة 9 آخرين نتيجة الإعياء الشديد، فيما وجّه وزير الدفاع بإقالة عميد الكلية العسكرية وفتح تحقيق عاجل في الحادثة.
تحذير من الانعكاسات النفسية والأخلاقية
حذر الكاتب والصحفي زياد وليد من خطورة هذه الأساليب التدريبية على المؤسسة العسكرية قائلاً: "هذه الأساليب التدريبية المتطرفة قد تؤدي إلى تخريج جيل من الضباط يعاني من اضطرابات نفسية وانفلات أخلاقي، مما يهدد مستقبل المؤسسة العسكرية بأكملها".
وتساءل وليد: "ما هي القيمة المضافة لهذه الممارسات في تاريخ جيوشنا العربية بأكمله؟"، مضيفاً: "اعتراف وزارة الدفاع بوفاة طالب وإصابة تسعة آخرين يؤكد حجم الكارثة، ويستدعي تحقيقاً شاملاً ومحاسبة المسؤولين عنها بشكل فوري وعلني".
شهادة من شقيق أحد المتوفين
قال رضوان عبد الكريم خلف، شقيق أحد المتوفين: "في اليوم الأول بالكلية العسكرية، أصدر آمر المركز أمرًا شخصيًا، وقال لهم بالحرف الواحد: "من يقول إني تعبان، أو يقول إني جوعان، أو يقول إني عطشان، أقسم بالله أطرده وأودعه السجن".
وأضاف: " لقد أُبقوا الطلبة من الساعة السادسة صباحًا حتى الرابعة عصرًا تحت تدريب قاسٍ ومضنٍ وركض مستمر، وفي هذا الجو بلغت درجة الحرارة في الناصرية 48 درجة مئوية".
وتابع: "في ذلك اليوم، سقط 64 طالبًا، وتم توزيعهم على عدة مستشفيات لتجنب تحوّل القضية إلى رأي عام. كان عشرة منهم في حالات حرجة جدًا. البارحة توفي طالب واحد، واليوم توفي أخي، ولا يزال هناك عدد من الطلاب الذين شربوا ماءً غير معقّم، ماءً من صهريج غير صالح، وليس ماءً مكلورًا".
وقال أخو المتوفى: "هذه هي الحقيقة؛ فقد تسبب الماء لهم في فشل كلوي وتوقف في الكبد، وانفجار في البنكرياس".
وأشار إلى أن "رئيس أركان الجيش أرسل معاونه وعددًا من ضباط الاستخبارات إلى المستشفى التركي، حيث اطلعوا على الحالة وعرفوا الحقيقة، ثم غادروا".
تحقيق برلماني يبدأ غداً
من جهته، صرّح النائب المستقل حسن حبيب بأن "لجنة الأمن والدفاع النيابية ستبدأ اعتبارًا من يوم غد متابعة ملف وفاة عدد من طلاب الكلية العسكرية، بعد ورود معلومات عن تعرض طلبة آخرين لحالات إعياء وارتفاع ضغط الدم بسبب الظروف القاسية".
وقال حبيب في تصريح خاص لـ(IQ)، إن "لجنة الخدمات النيابية، وبالتنسيق مع لجنة الأمن والدفاع، تتابع هذا الملف بجدية"، مشدداً على أن "ما جرى لا يمكن اعتباره ضمن السياقات التدريبية الطبيعية، بل هو خلل واضح في أسلوب التعامل مع المتدربين، خاصة في ظل الأجواء الحارة وانعدام وسائل الوقاية الأساسية مثل توفير الماء".
إقالات لا تعني غلق الملف
وأكد حبيب أن "وزير الدفاع أصدر أوامر بإعفاء عدد من المسؤولين المرتبطين بالحادثة، من ضمنهم آمر الفوج وأحد الضباط الآخرين،" مشيراً إلى أن "تلك الإجراءات تمثل خطوة أولى فقط في مسار المحاسبة".
وأضاف: "لا أحد فوق المحاسبة، ومجلس النواب يمتلك صلاحيات رقابية ودستورية كاملة تخوّله استضافة واستجواب أي مسؤول تنفيذي إذا اقتضت الضرورة".
وختم بالقول: "ما حدث أمر لا يمكن التغاضي عنه، وكرامة أبنائنا وسلامتهم خط أحمر وسنتابع القضية بكل تفاصيلها، ولن نسمح بمرورها دون معرفة الحقيقة ومحاسبة المقصرين، مهما كانت مواقعهم".
إهمال إداري واضح في الكلية العسكرية
وفي سياق متصل، أعرب النائب علي البنداوي، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، عن أسفه الشديد لما جرى، معتبراً أن الحادث لم يكن مقصوداً، لكنه جاء نتيجة إهمال واضح من إدارة الكلية وسوء في التحضيرات لاستقبال الطلبة الجدد.
وقال البنداوي في تصريح خاص لـ (IQ): "للأسف، ما حدث اليوم لم يكن نتيجة نية مسبقة، لكن كان هناك تقصير واضح من قيادة الكلية العسكرية الرابعة في اتخاذ الإجراءات الضرورية واللازمة قبل مباشرة التدريب. لم يكن هناك تحضير لوجستي أو طبي يتناسب مع الظروف الجوية القاسية".
أشعة شمس، شح مياه، وملابس مدنية
وأوضح البنداوي أن "أشعة الشمس الحادة، وشح المياه، وضعف التغذية، كلها كانت عوامل ضغط مباشرة على الطلبة"، مضيفاً أن "التدريب استمر لساعات طويلة من السادسة صباحًا حتى السادسة مساءً، والطلبة ما زالوا يرتدون ملابسهم المدنية، دون تجهيزهم بالمستلزمات العسكرية أو الصحية الأساسية".
وتابع: "وفق المعلومات التي وردتني، توفي طالبان حتى الآن، وأُصيب سبعة آخرون بحالات صحية خطيرة بسبب الإنهاك والتعرض المباشر للشمس، في ظل غياب أي رعاية طبية ميدانية أو تدابير وقائية".
واختتم قائلاً: "طالبت شخصيًا لجنة الأمن والدفاع النيابية بتشكيل لجنة تحقيقية عاجلة للوقوف على ملابسات الحادث، وضمان محاسبة المقصرين. ما حصل أمر مؤلم وغير مقبول، وسنتابع الموضوع بدقة داخل اللجنة لضمان عدم تكراره، وحماية أبنائنا من الإهمال في بيئات التدريب العسكري".