الرئيسية / "لا نظير له في العالم".. المركز الثقافي البغدادي تحفة تاريخية

"لا نظير له في العالم".. المركز الثقافي البغدادي تحفة تاريخية


IQ NEWS _ سامان داود 


على ضفاف نهر دجلة في نهاية شارع المتنبي ببغداد، يقع المركز الثقافي البغدادي الذي افتتح عام 2011 مجدداً بعد صيانته وإعماره من قبل محافظة بغداد ليكون ملتقاً ثقافياً وأدبياً يجمع رواد الأدب والثقافة حتى بات يسمى بـ"سوق عكاظ العراق"، نسبة إلى السوق المشهور في الحجاز حيث كان يتلقي الأدباء والشعراء العرب في الماضي القديم.


ويعد المركز أحد اكثر المراكز الثقافية في العاصمة العراقية زحاماً بالرواد، خاصة في أيام الجمعة، فطيلة ايام الاسبوع تقام في قاعاته العديد من النشاطات المتعلقة بالأدب والتراث البغدادي والانساب والغناء التراثي، فضلاً عن معارض الكتب المفتوحة.


تاريخ انشاؤه


يقول طالب عيسى، مدير المركز الثقافي البغدادي في حديث لموقع IQ News، إن مدارس عدة وأبنية ثقافية كانت قائمة على الضفة اليسرى لنهر دجلة (مكان مبنى المركز الثقافي حالياً) في نهاية العهد العباسي، منها مدرسة الأمير سعادة، خادم الخليفة المستظهر بالله العباسي، ويذهب المؤرخون إلى أن المبنى كان مقراً لأداء وظائف عديدة قبل أن يتحول في العهد العثماني إلى دائرة معنية بوثائق العقارات وبعض الشؤون المالية الأخرى التي اتخذت في عهد الولاة المماليك العثمانيين وكانت تسمى (الدفترخانة)، أي مقر حفظ السجلات الرسمية وخاصة السجلات العقارية.

ويضيف "عيسى"، أنه في العهد العثماني الأخير، قام الوالي مدحت باشا سنة 1869م بتحويل هذا المكان إلى "المدرسة الرشدية العسكرية" بعد أن أعاد بناءها بشكلها الحالي، لتكون أول مدرسة عسكرية حديثة ضمن سعي الدولة العثمانية آنذاك لتحديث جيشها واقتباس النظم الأوربية في إعداده بعد أن أثقلته الهزائم في معاركه المستمرة مع الأوربيين، على أن يلتحق خريجو المدرسة الرشدية بعد إكمال دراستهم بالكلية العسكرية في إسطنبول.


ويوضح، أن المشير فوزي قائد الفيلق العثمان هو من أكمل بناء المدرسة قبل أن يفتتحها الوالي عبد الرحمن باشا في سنة 1879م باعتبارها الإعدادية العسكرية.

ويكمل "عيسى"، "لقد قدمت هذه المدرسة اعدادا كبيرة من الضباط نالوا مناصب عالية في الدولة العراقية عند تشكيل الحكومة وفي مقدمتهم ياسين الهاشمي ونوري سعيد وجعفر العسكري وعبد المحسن السعدون وجميل المدفعي ومولود مخلص وجميل الراوي ورشيد الخوجة والمورخ محمد روؤف الشيخلي مؤلف المعجم الجغرافي لمدينة بغداد القديمة".


ويشير الى ان المدرسة اتخذت كمستشفى اثناء الحرب العالمية الاولى، ثم وبعد الاحتلال البريطاني للعراق في الحرب العالمية الأولى، اتخذها الإنجليز مقرا للمحاكم المدنية سنة 1919، وبعد تاسيس المملكة العراقية سنة 1921 اتخذت ايضا مقرا للمحاكم المدنية والجزائية واستمر الحال كذلك حتى سنة 1978.



وتابع "عيسى"، أن أول ترميم لهذه البناية كان سنة 1992م ، وذلك من قبل دائرة الآثار، واستغرق العمل ثلاث سنوات حتى سنة 1995م، حيث حافظت الدائرة على الهيئة التأريخية للبناية وأزالت الأبنية المستحدثة، وفي نهاية القرن العشرين اتخذها اعضاء حزب البعث المنحل معهدا للقران والسنة النبوية، ثم تعرضت لأعمال تخريب بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وبقيت مهملة لغاية 2011 حيث بادرت محافظة بغداد لصيانتها وإعادة فتحها كمركز ثقافي.


أمام كل الاتحادات والمنظمات والجمعيات والروابط الأدبية، فإن "أبواب المركز الثقافي الكائن في أهم شارع ثقافي ببغداد مفتوحة مجاناً لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية".


محتويات المركز 

ويحتوي المركز، التابع لمحافظة بغداد، على قاعات عدة تحمل اسماء علماء وشعراء وفنانيين عراقيين، كعلي الوردي ومصطفى جواد ونازك الملائكة وجواد سليم وحسين علي محفوظ، إضافة إلى قاعة متخصصة بالفنون التشكيلية تحمل اسم النحات العراقي محمد غني حكمت، فضلاً عن قاعة "ألف ليلة وليلة" للسينما ومسرح الشناشيل للمقام العراقي ومسرح سامي عبد الحميد للمهرجانات الكبيرة.

إضافة إلى ذلك، اقتنى المركز الثقافي "أهم المكتبات في بغداد" لشخصيات علمية، منها كما يقول مديره عيسى طالب، مكتبة ومتحف العلامة الدكتور احمد سوسة والعلامة ميخائيل عواد والعلامة عبد الحميد الرشودي والدكتور عماد عبد السلام ومكتبة المفكر والشهيد عزيز السيد جاسم، وتحتوي هذه المكتبات على مخطوطات ونوادر ووثائق مهمة وكذلك مقتنيات شخصية اخرى، ومؤخرا، "تم اقتناء مكتبة الدكتور الفنان التشكيلي علاء بشير".

كما يضم المركز متاحق شخصية منها متحف أرض الرافدين للمؤرشف صباح السعدي ومتحف دار السلام للمؤرشف محمد سيد علوان، وكذلك متحف دليل الجمهورية العراقية للمؤرخ هادي الطائي.

وفي الطابق الأرضي منه، يقع "مركز المتنبي الصغير" الخاص بفعاليات الأطفال، كما تستضيف باحته العديد من معارض الكتب والبازارات والصناعات التراثية واليدوية، وفي صباح كل يوم جمعة يكون نشاط المركز الثقافي مميزاً حيث تعقد ندوات ولقاءات أدبية وعلمية وفنية في اختصاصات متنوعة.


اكثر من 150 الف زائر سنويا 


وبحسب إحصاءات تقدمها إدارة المركز الثقافي، فإن أكثر من 1000 فعالية تقام فيه سنوياً بينما يبلغ متوسط عدد زواره الأسبوعي 3 آلاف زائر، حسبما يقول عيسى طالب الذي يشير إلى أن مركزه يعد "أكبر مركزا ثقافيا في العراق، ومنهاجه الثقافي الأسبوعي هو الوحيد في العالم من ناحية التنوع والشمول فهو فضاء مفتوح ومساحة واسعة للمثقف العراقي وكذلك للمشهد الثقافي العربي والعالمي، ويعد قبلة للوفود العربية والعالمية التي تنبهر بتجربته الفريدة والنادرة".


"إنه وجه من أوجه المستقبل العراقي وطريق للتعايش السلمي بين كل العراقيين"، يقول طالب، مبيناً "في أحيان كثيرة نقوم بواجبنا في في خدمة المواطن العراقي بجهود ذاتية"، عاداً أن تجربة المركز الثقافية "تجربة مهمة للشباب في تقديم الخدمة طوعاً ما يشكل في المجمل صورة تعكسر حضارة بغداد وفسيفساء العراق".


ويشير عيسى طالب إلى أن المركز الثقافي أعيد افتتاحه في تشرين الأول من العام الماضي بعد انتهاء فترة الحظر لمعاودة النشاطات الثقافية، "وتم تسجيل أكثر من 300 فعالية متنوعة خلال الفترة السابقة".

ويستعد المركز الثقافي البغدادي، الذي لديه تنسيق مع بعض الوزارات والمؤسسات في مجال الثقافة، لافتتاح قاعات جديدة، واحدة منها على شكل متحف بعنوان "دليل الجمهورية العراقية" الذي صدر عام 1961.


"مركز لا نظير له"


من جانبه، يصف الكاتب والصحفي علي عزيز السيد جاسم  في حديث لـIQ Newsالنشاطات والفعاليات المقدمة في المركز الثقافي البغدادي بـ"المتميزة والرائعة"، وفيما يشيد بـ"الجهود الاستثنائية" لكادره، يدعو إلى زيادة الدعم المقدم له "من أجل أن يخلد كرمز من رموز الثقافة العراقية".

وعد جاسم زيارة آلاف الرواد لهذا المركز اسبوعياً "دليلاً على أنه المركز اصبح رئة للثقافة العراقية"، بينما يقول الحقوقي طارق حرب بعدما يستذكر تاريخ المكان العائد إلى العصر العباسي الأول، إن "المركز الثقافي البغدادي لا نظير له في المدن العراقية ولا في كل العالم".






17-01-2021, 19:52
المصدر: https://www.iqiraq.news/reports/8936--.html
العودة للخلف